وعلمًا لا يسمحون لأنفسهم أبدًا بأن يُضيفوا شيئًا إلى سنة النبي -صلى الله عليه وسلم- اتساقًا مع بعض الظروف التي طرأت على المجتمع، كل ذلك لم يحدث أبدًا.

يقول الدكتور مصطفى السباعي -رحمه الله تعالى في هذا الصدد-: فما توفي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلا وقد كان الإسلام ناضجًا تامًّا، لا طفلًا يافعًا، كما يدعي هذا المستشرق "جولد تسيهر" نعم، لقد كان من آثار الفتوحات الإسلامية أن واجهت المسلمين جزئيات وحوادث لم يُنص على بعضها في القرآن والسنة، فأعملوا آراءهم فيها قياسًا واستنباطًا، حتى وضعوا الأحكام المناسبة لها وهم في ذلك لم يخرجوا عن دائرة الإسلام وتعاليمه، وحسبك -لا يزال كلام الشيخ موصولًا- أن تعلم مدى نضوج الإسلام في عصره الأول، أن عمر -رضي الله عنه- سيطر على مملكتي كسرى وقيصر، وهما ما هما في الحضارة المدنية، فاستطاع أن يسوس أمورهم، ويحكم شعوبهم بأكمل وأعجب مما كان كسرى وقيصر يسوسان بها مملكتيهما.

أتُرى لو كان الإسلام طفلًا كيف كان يستطيع عمرُ حينئذٍ أن ينهض بهذا العلم، ويسوس ذلك المُلك الواسع، ويجعل له من النظم ما جعله ينعم بالأمن والسعادة ما لم ينعم بهما في عهد ملكيهما السابقين.

على أن الباحث المنصف يجد أن المسلمين في مختلف بقاع الأرض التي وصلوا إليها كانوا يتعبدون عبادة واحدة، ويتعاملون بأحكام واحدة، ويقيمون أسسَ بيوتهم وأسرهم على أساس واحد، وهكذا كانوا متّحدين في العبادات والمعاملات والعقيدة والعادات غالبًا، ولا يمكن أن يكون ذلك لو لم يكن لهم قبل مغادرتهم جزيرة العرب نظام تام ناضج وضع لهم أسس حياتهم في مختلف نواحيها.

ولو كان الحديث أو القسم الأكبر منه نتيجة للتطور الديني في القرنين الأولين لنجم حتمًا ألا تتحد عبادة المسلمين في شمال أفريقيا مع عبادة المسلم في جنوب

طور بواسطة نورين ميديا © 2015