المتن ليصل إلينا النّصُّ النبوي سليمًا صحيحًا؛ فقد تأكدنا تمامًا من صدق نسبته للنبي -صلى الله عليه وسلم-.
فالرِّوَايَةُ تقوم على جناحين: الرِّجَالُ الذين نقلوا لنا، والنَّصُّ أو المتن الذي نُقل لنا، لا بد من دراسة الأمرين معًا؛ إذا جاءنا الخبر عن الصدوق أو الثِّقة، الذي نطمئن إليه، إذًا نطمئن إلى صدق خبره؛ فمعرفة أحوال الرُّواة التي نسميها بمصطلح الحديث "دراسة الإسناد" هي لخدمة المتن؛ لو أنّنا مثلًا أخبرنا ثقة أنه قد رأى هلال رمضان. رؤيته لهلال رمضان هذا خبر، سنصبح ملزمين بالصيام، والذي لا يصوم غدًا حين يُخبرنا المُخبر بذلك يكون آثمًا.
نَحْنُ تأكدنا من صدق المخبر، لماذا؟ لنَطمئن إلى سلامة الخبر الذي نقله لنا، وهو روايته رؤية الهلال، فمتى أطمأننا إلى صدقه أصبحنا ملزمين بالصيام غدًا، هذا الإلزامُ جاء نتيجة اعتقادنا صدق المخبر الذي نقل لنا الرواية، ولو لم نعتقد صدقه لَمَا أصبحنا ملزمين بخبره؛ فلماذا تُصبح الأمة كلها آثمة؟ أو يصبح بعضها آثمًا إذا لم يصم؟ لأنه قد خالف خبر الثقة الذي عليه أن يصدقه أو يعمل بمقتضاه.
إذن، هذا مجرد توضيح ليُبين أن دراسة الإسناد كانت في المقام الأول لخدمة المتن، لذلك قَسّم المحدثون دراسة الحديث إلى: "علم الحديث دراية"، وإلى "علم الحديث رواية". علم الحديث دراية: يتعلق بدراسة الإسناد بالرِّجال بأحوال الرجال، وعلم الرواية يتعلق بالمتن ودراسته وشرحه ودفع التعارض عنه، واستنباط الأحكام منه، وبيان فصاحته وبلاغته إلى آخر ما يتعلق بدراسة المتن.
إذن، نَسْتَطِيعُ أنْ نَقُول: إنّ عِنَايةَ المُحَدّثين بالإسناد إنما كانت في المقام الأول لخدمة المتن، ولتَوثيقه، وكما قلت: وللتأكد من صدق نسبته للنبي -صلى الله عليه وسلم- ولذلك مثلًا نجدهم يقولون: "الذي كذَب ولو مرة واحدة لا نقبل حديثه ما لم يتُب".