إذن النبي -صلى الله عليه وسلم- فسر الظلم في آية الأنعام ليس بالظلم العام، وهو وضع الشيء في غير محله، وإنما قصره على بعض أفراده يعني: ليس المراد كل أفراد الظلم أو كل أنواع الظلم، وإنما المراد بعض أنواعه فقط وهو الشرك، واستدل على هذا المعنى بقول الله تعالى على لسان لقمان: {يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} (لقمان: 13)، وأيضًا الشرك ظلم؛ لأن الشرك في هذه الحالة وضع للعبادة في غير محلها، يعني: هو من أنواع الظلم العام أيضًا، وينطبق عليه ذلك؛ لأنه كما قلنا: وضع للعبادة في غير محلها.
والمهم أن حديث: ((ليس كما تقولون))، وفسر الشرك بالظلم، واستدل على ذلك بآية لقمان، إنما هو تخصيص من السنة لعام القرآن الكريم، السنة تفصل مجمل القرآن الكريم، وتبين أو تخصص عامه.
هذا نوع يسمى تفصيل المجمل، وهذا نوع آخر يسمى تخصيص العام، وبالمناسبة فعند الأصوليين معاني محددة لكل واحد من هؤلاء، وأنا أطلب من طلاب العلم الذين يسمعونني الآن أن يعودوا إلى كتب الأصول التخصصية، بدل أن أطيل عليهم بشرح هذه النصوص، ما هو المجمل وما هو التفصيل، وما هو المفصل؟ وما هو العام، وما هو الخاص وكيف يخصص؟ إلخ، وما الفرق بين العام المخصوص، وبين العام الذي أريد به الخصوص؟ مصطلحات يجدر بأهل العلم أن يفهموها وأن يعرفوها؛ حتى تتضح المعاني الشرعية في أذهانهم.
لكن هنا نحن نضرب الأمثلة، ونوضح بإيجاز مخافة الاستطراد إلى تخصصات أخرى، وأرجو أن نكون على ذكر مما نقوله الآن، نحن قلنا في علاقة رئيسة: السنة توافق القرآن، ثم انتقلنا إلى السنة تبين القرآن، ونتكلم عن بيان السنة للقرآن الكريم.
أيضًا من أنواع بيان السنة للقرآن الكريم: تقييد المطلق:
المطلق يعني: شيء مفتوح هو ليس عامًّا يعني: لا ينطبق على أفراد كثيرين، وإنما هو يمكن أن تقول: هو شيء واحد يتكون من أجزاء فيقيد، ولو لم يأت التقييد لبقي على إطلاقه، وبالمثال يتضح المقال.
من أمثلته في القرآن الكريم: قول الله -تبارك وتعالى- وهذا أيضًا مثال مشهور، تتداوله كتب المصطلح وكتب السنة كلها {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} (المائدة: 38)، الآية هنا