مثلًا: فُلان يريد شراء هذا الأمر، فلان يريد بيع هذا الأمر، فلان يقول عنك كذا وكذا؛ فلان يسبك ويقول كذا إلى آخره، معاملات الناس أكثر من تسعين في المائة منها أخبار الباقي يعتمد على أنه رأى الأمر بنفسه أو درسه بنفسه أو قرأه إلى آخره، وأظن أنّ أيَ واحدٍ يَرْصُد الواقع يتأكد من هذه الحقيقة، وكم من علاقات تدمرت بسبب خبر كاذب نقل، كم من شريكين كانا أمينين متعاونين مُتحابين فنُقل خبر لأحدهما عن الآخر أفسد الود بينهما، وفسدت الشركة، كم من علاقة أسرية انفصمت بسبب خبر جاء من هنا أو من هناك، كم من صداقة قطعت إلى آخره.
وكل واحد من الناس له تجارب في هذا الصدد كثيرة تبين أهمية الأخبار وخطورتها، بل إنّ العلاقات بين الدول تتوقف على الرواية، وعلى نقل الأخبار، وآية الحجرات التي نعتبرها من الأدلة الرئيسة في ضرورة الاهتمام بالأخبار وبرواتها: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ} (الحجرات: 6). يعني كادت أن تشتعل حرب بين المسلمين وبين غيرهم؛ لمجرد أن الناقل للخبر تصور أن القوم الذين خرجوا للقائه كأنهم خارجون لقتاله، فأخبر بذلك النبي -صلى الله عليه وسلم- فكادت أن تشتعل الحرب، يعني: إلى هذا الحد تصل خطورة الأخبار أنها تتسبب في إشعال الحروب ليس بين الأفراد فحسب، بل بين الدول أيضًا.
إذن هذه ضرورة عقلية، ما دام العقل يرى هذا الخطر الداهم، وهذا الأثر البليغ للأخبار؛ فلا بد من التحقق منها ومن رواتها، الذي ينقل هذا الخبر ما هدفه؟ وما أخلاقه؟ وهل يكذب أو لا يكذب؟ ... إلى آخره.
أيضًا الضرورة الواقعية هي متممة للضرورة العقلية، ما دُمنا نَرَى أنّ الوَاقِع يَتوقف في كثير من جوانبه في بيعه وشرائه وحِلِّه وتِرحاله، وبُغضه وحُبّه،