شديدًا في المقدمة حيث يقول رحمه الله: "وهذا القسم ـ يقصد ما اتفق عليه البخاري ومسلم ـ مقطوع بصحته والعلم اليقيني النظري -كلمة اليقيني يعني مقطوع به، والنظري بعد النظر والاستدلال- خلافًا والعلم اليقيني النظري واقع به خلافًا لقول لمن نفى ذلك محتجًا بأنه لا يفيد في أصله إلا الظن، وإنما تلقته الأمة بالقبول؛ لأنه يجب عليهم العمل بالظن، والظن قد يخطئ.
يقول ابن الصلاح -رحمه الله تعالى-:"وقد كنت أميل إلى هذا الرأي، وأحسبه قويًا -أي: إفادته للظن يعني- ثم بان لي أن المذهب الذي اخترناه أولا هو الصحيح؛ لأن ظن من هو معصوم من الخطأ لا يخطئ، والأمة في إجماعها معصومة من الخطأ، ولهذا كان الإجماع المبتنى على الاجتهاد حجة مقطوعًا بها، وأكثر إجماعات العلماء كذلك، وهذه نكتة نفيسة نافعة. أنا لا زلت مع كلام ابن الصلاح -رحمه الله تعالى- وهذه نكتة نفيسة نافعة، ومن فوائدها القول بأن ما انفرد به البخاري أو مسلم مندرج في قبيل ما يقطع بصحته لتلقي الأمة كل واحد من كتابيهما بالقبول على الوجه الذي فصلناه من حالهما فيما سبق سوى أحرف يسيرة تكلم عليها بعض النقاد من الحفاظ كالدارقطني وغيره، وهي معروفة عند أهل هذا الشأن".
إذن ابن الصلاح يرى أن خبر الآحاد يفيد القطع بصدق نسبته إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- غير أنه يقصر ذلك على الصحيحين، وحجته في ذلك واضحة، وهو أن الصحيحين قد أجمعت الأمة على تلقيهما بالقبول، ولذلك هو يضيف نفائس أخرى خلال معالجته لهذه القضية يقول: "إن الأمة في إجماعها معصومة من الخطأ" ويقول: "لهذا كان الإجماع المبني على الاجتهاد حجة مقطوعًا به -ليس الإجماع المبني على الأدلة فقط إنما الاجتهاد أي: كان هذا الإجماع مقطوعا به- وأكثر إجماعات العلماء كذلك وقال: وهذه نكتة نفيسة نافعة".