اخترناه كأنموذج وكمثال- وبين النبي -صلى الله عليه وسلم- رجال، هؤلاء الرجال نسميهم سند الحديث، أو نسميهم رجال الحديث، أو نسميهم رواة الحديث، أو نسميهم طريق الحديث، أو نسميهم إسناد الحديث، كل هذه تسميات يقبلها أهل العلم، فالإسناد عبارة عن الرجال الذين رووا الحديث بين آخر راو، وهو صاحب الكتاب، وبين النبي صلى الله عليه وسلم.
وهذه أيضًا أمور علمية درسها الطلاب في أكثر من مادة أيضًا في المصطلح، وفي غيره، وفي دراسة الأسانيد، وفي التخريج إلى آخره.
لو أنني مثلًا آخذ الحديث الأول عند البخاري -رحمه الله تعالى- حديث "إنما الأعمال بالنيات" سأجد فيه ستة من الرواة بين البخاري وبين النبي -صلى الله عليه وسلم- البخاري تلقى الحديث عن شيخه الحميدي عبد الله بن الزبير، المتوفى سنة 219 هجرية؛ يعني هذا شيخه، وهو شيخ مكي، ويقول ابن حجر في شرحه للحديث: إنه أجل شيوخه المكيين. ولأن الوحي نزل في مكة، فبدأ البخاري.
ننظر إلى تنظيم علمائنا لكتبهم، كل شيء فيها مقصود؛ يعني لماذا وضع هذا الحديث في بداية صحيحه؟ قالوا: إنه يريد أن يثبت أنه ألف كتابه مخلصًا لله "إنما الأعمال بالنيات" هذا الحديث الأول، سمعه البخاري من الحميدي، والحميدي من سفيان بن عيينة، هذا رقم 2، وسفيان بن عيينة من يحيى بن سعيد الأنصاري، ويحيى بن سعيد الأنصاري من محمد بن إبراهيم التيمي، ومحمد بن إبراهيم التيمي سمعه من علقمة بن وقاص الليثي، وعلقمة بن وقاص من عمر بن الخطاب -رضي الله تعالى عنه- وعمر بن الخطاب من النبي -صلى الله عليه وسلم-.
إذن غير البخاري وغير النبي -صلى الله عليه وسلم- ستة، هؤلاء كلهم رجال الإسناد، أو إسناد الحديث، أو سند الحديث أو طريق الحديث، أو رواة الحديث إلى آخره أيًّا كانت التسمية، كل واحد منهم يسمى حلقة من حلقات الإسناد.