التي غابت عن المسلمين الآن، احترام التخصص، احترام الخبراء في كل مَيْدان: {وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ} (فاطر: 14) {الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا} (الفرقان: 59) {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ} (النحل: 43).
سيدنا موسى يعطي خبرته للنبي -صلى الله عليه وسلم-: ماذا فرض الله عليك؟ أنا خبرت الأمم قبلك، وقصة بني إسرائيل مع سيدنا موسى معروفة في القرآن والسنة، والعَنَت والمشقة التي تحملها من نقاشهم، فالخبرة ليعطيَها سيدنا موسى طائعًا مختارًا للنبي -صلى الله عليه وسلم- تبادل الخبرات، والحكم على أساس الخبرة درس مهم جدًّا.
ثم يبين ما بين الأنبياء من تآخٍ ومن تحاب، يقدمون لنا القدوة في ذلك، يعني: لم يضن بخبرته كما نفعل نحن مع بعضنا، تضييع أخلاقنا التي علمنا إياها الإسلام، فنضن بالفوائد والخبرات، سيدنا موسى يقول له: ((ارجِع إلى ربك فاسأله التخفيف، فإني قد بلوت الأمم قبلك، أو بلوت بني إسرائيل واختبرتهم، فلم يطيقوا ذلك))، فإذن فهو حب وتآخ بين الأنبياء، هو تساعُد وتسانُد على القيام بالمهمة التي بُعثوا من أجلها؛ لكي ينجحوا فيها، ويأخذوا بيد البشر إلى الهداية، هي أيضًا اعتماد على الخبرة، هي إظهار لفضل الله الذي في علم الله حَسَمه الله في نهاية الأمر: ((ما يُبَدَّلُ القول، هن خمس في العمل، وهن خمسون في الأجر والثواب)) وهذا ما سبق به قدر الله.
أما المراجعة فكانت لإظهار مكانة النبي -صلى الله عليه وسلم- عند ربه، وإظهار فضل الله -عز وجل- على عباده، حيث لا يكلفهم إلا بما يطيقون وما يتحملون: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} (البقرة: 286).
وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه.