من خَلَق البشر -جل في علاه- فعبّر الله عنها، ولذلك قال: جعلها فتنةً للناس للمنكرين لتمييز المؤمنين وغيرهم: {وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ} ليتميز المؤمن الصادق من المؤمن الضعيف الذي يتردد، أو الكافر الذي ينكر ويجحد -والعياذ بالله تبارك وتعالى-.
إذن الآية أيضًا ليس فيها أبدًا ما يفيد أن المعراج كان في المنام، وحتى لو كان في المنام، ما وجه المعجزة فيه؟ أما لو قيل: إنها منامية كما تريدون أن تقولوا، فلا وجه للإعجاز فيها، ولا داعي لإنكارها أصلًا، ولذلك أثبت العلماء بمجموعة من الأدلة أن الإسراء والمعراج كانت بالروح والجسد معًا، وجمهور العلماء على ذلك -جمهور علماء الأمة- بل إجماعهم منعقد على ذلك، لم ينازع في هذا إلا القليل.
وجمهور العلماء على أن الإسراء والمعراج كانتَا في ليلة واحدة، وأنهما وقعَا بالروح والجسد معًا، وأنهما وقعَا في اليقظة وليس في المنام، كل ذلك ذكره العلماء المتعددون، ولم يستغرب أحد هذا، وإلا فما معنى أنها معجزة؟ وما وجه الغرابة فيها؟ أيقول الله -عز وجل-: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بَعَبْدِهِ} والعبد تنصرف إلى الروح فقط دون الجسد أو في المنام؟
ولذلك أتباع المدرسة العقلية لما وجدوا أن الإسراء ثابت بالقرآن، وهم يتجرءون على السنة، بعضهم قال: إنه كان رؤية منامية، حتى على الإسراء وليس المعراج فحسب؛ لأنهم أعملوا عقلوهم في النص؛ ولأنهم قدموا العقل على النص، وجعلوا العقل قاضيًا على النص، وهذه من البلاءات التي وقعوا فيها، ونفاصلهم فيها في الواقع العلمي، ونفاصلهم فيها أمام الله -عز وجل- إذن: {وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ} ليس فيها دليل على إنكار المعراج.