هناك رأيان في المسألة، يقول رأي منهم: إن خبر الآحاد يوجب العلم القطعي؛ بمعنى: أننا نقطع بأن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قاله أو أن نسبته إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ظنية؛ حتى لو قلنا بالظن فقد أثبتنا هناك أن الأمة يجب عليها العمل بما غلب على ظنها، وذكرنا الأدلة على هذا، وأننا يجب أن نصوم إذا أخبرنا مخبر وتيقنا صدقه وأمانته أنه قد رأى هلال رمضان مثلًا؛ ومن يصبح مفطرًا فهو آثم لأنه أفطر يومًا يجب صيامه، ويُعاقب بعقوبات المقررة شرعًا، وأيضًا إذا قال مخبر: إنه رأى هلال شوال، وقلنا: إن الدعاوى كلها تثبت بشاهدين وأقصى دعوى -وهي دعوى الزنا- تثبت بأربعة شهود، وأربعة شهود ما زالوا في إطار خبر الواحد؛ لأنهم لم يصلوا إلى أقل عدد للتواتر على ما اصطلح عليه علماء الأمة.
ويستدلون بالآيات التي تنهى عن اتباع الظن: {إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا} (النجم: 28) وحديث النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((إياكم والظن؛ فإن الظن أكذب الحديث)) قلنا: إن الظن المذموم هنا هو الوهم الذي يوضع في مقابلة العلم، واستدللنا على أن القرآن اعتبر الظن كدرجة من درجات العلم وأقام به الحجة، واستدللنا بمطلع سورة المطففين: {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ * الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ * وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ * أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ} (المطففين:1 - 4) الظن: هو العمل بالقول الراجح أو هو ترجيح أحد الاحتمالين ... إلى آخر التعريفات التي وردت عند الأصوليين.
إن المدرسة الحديثية في مجملها أو في مجموعها ترى أن خبر الآحاد الذي ثبتت صحته نقطع بصحة نسبته للنبي -صلى الله عليه وسلم- وأنا عن نفسي هذا ما أدين الله تعالى به وأنا مطمئن القلب جدًّا، ومن خلال الأدلة العلمية القاطعة في هذا الأمر أنه متى ثبت صدق الحديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم- فإنني أقطع بصحة نسبته للنبي -صلى الله عليه وسلم-، بل إني أقول: إن مبحث التواتر والآحاد في الأصل ليس مبحثًا حديثيًّا: هو جاء إلى المحدثين من