وذلك أنهم لا يهرقون حلالًا إهراقه سرف وليسوا من أهله -يعني هم لا يهرقون الخمر إذا كانت ما زالت مستمرة على حلها- والحال في أنهم لا يدعون إخبار رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما فعلوا، ولا يدع لو كان قبلوا من خبر الواحد ليس لهم أن ينهاهم عن قبوله -يعني: إذا كانوا لا يقبلون خبر الواحد يقولون: ما نهينا عن شربه! إذن لم يفعلوا ذلك؛ لتلكئوا ولاعتذروا ولقالوا: ننتظر حتى نلقى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيخبرنا ولقالوا: ننتظر حتى يكون الخبر خبر عامة على حد تعبير الإمام الشافعي -رضي الله عنه- أي: خبرًا متواترًا، وليس خبر خاصة أي خبر آحاد؛ وإنما امتثلوا بدون أدنى تردد لأمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، هذا دليل.
الدليل الآخر ينتقل إليه الإمام الشافعي -رضي الله عنه- في قصة العسيف، والحديث أيضًا في الصحيحين في كتاب الحدود، مطلعه هكذا: "إن ابني كان عسيفًا عند هذا فزنى بامرأته؛ فأخبروني أن على ابني مائة شاة ووليدة؛ فافتديت ابني بمائة شاة ووليدة"؛ حتى جاء النبي -صلى الله عليه وسلم- يطلب منه الحكم الصادق الموافق لشرع الله؛ فأخبره النبي -صلى الله عليه وسلم- أن على ابنه جلد مائة وتغريب عام؛ لأن الولد كان بكرًا لم يكن متزوجًا، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم- لأنيس الأسلمي صحابي جليل: ((واغدُ يا أنيس إلى امرأة هذا؛ فإن اعترفت فارجمها)) فاعترفت فرجمها.
هنا يعلّق الإمام الشافعي -رضي الله عنه- بعد أن روى الخبر يقول: وأمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنيسًا أن يغدو على امرأة رجل ذكر أنها زنت؛ ((فإن اعترفت فارجمها))؛ فاعترفت فرجمها.
ثم ساق سند الحديث إن مالك وسفيان عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن أبي هريرة وزيد بن خالد -رضي الله عنهما- رويا هذا الحديث، وكما قلنا: هو في الصحيحين؛ إذن امتثلت المرأة لرجل واحد جاءها عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، وأرسل النبي -صلى الله عليه وسلم- رجلًا واحدًا.