فبعضهم قال: إنهم أربعة؛ قياسًا على شهود الزنا الذين تثبت بهم جريمة الزنا ويقام الحد على فاعله: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} (النور: 4) وحاول أصحاب هذا الرقم أن يضيفوا إليه بعض الأدلة الأخرى بأن يقولوا مثلًا: بأن الخلفاء الأربعة أو الأئمة الأربعة لو اجتمعوا على شيء فإن القول قولهم والرأي رأيهم؛ يسوقون مثل هذه الأقوال تأييدًا لرأيهم الذي ذهبوا إليه من اشتراط أربعة على الأقل في الخبر المتواتر.
القاضي أبو بكر الباقلاني مثلًا -كما نقل عنه العلماء- لم يقتنع بهذا العدد في إثبات التواتر؛ بل قال: أتوقف في الخمسة، والخمسة هذه قالها بعضهم قياسًا على الصلوات الخمس وغيرها من الأرقام التي حملت خمسة في الأحكام الشرعية الإسلامية.
ومن العلماء من اشترط سبعة؛ لاشتمالها على العدد المطلوب في كل نوع من أنواع الشهادات، وهي: الأربعة، والاثنان، والواحد.
ومنهم من اعتبر أقل عدد التواتر عشرة؛ وذلك لقوله تعالى: {تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ} (البقرة: 196) ووصفها بالكمال، ولأنها أول جموع الكثرة، واختار ذلك السيوطي -رحمه الله تعالى- وسار عليه في كتابه الذي جمع فيه الأحاديث المتواترة (الأزهار المتناثرة في الأخبار المتواتر)؛ فقال -رحمه الله تعالى-: كل حديث رواه عشرة من الصحابة؛ فهو متواتر عندنا معشر أهل الحديث.
وهناك من قال: يشترط في العدد أن يكون اثني عشر مثل نقباء بني إسرائيل: {وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا} (المائدة: 12).
ومنهم من قال: عشرون؛ لقوله تعالى: {إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ} (الأنفال: 65).