ومن السنة المطهرة أيضًا أحاديث كثيرة، تبين أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لا ينطق إلا بوحي، وأوضح شيء في هذا الحديث الذي رواه الإمام أحمد بسند صحيح من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله تعالى عنهما- حين كان يكتب كل شيء يسمعه من النبي -صلى الله عليه وسلم- فنهته قريشٌ عن ذلك، فرفع الأمر للنبي -صلى الله عليه وسلم- فقال له النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((اكتب، فوالذي نفسي بيده ما خرج مني إلا حق)) يقسم النبي -صلى الله عليه وسلم- على أنه لم يخرج منه إلا حق؛ أي: إلا وحي من عند الله -تبارك وتعالى-حق وصدق نزل به الوحي على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه)) المثل الذي أوتيه مع الكتاب هو السنة التي بينت القرآن الكريم.
كل هذه بإيجاز أدلة على أن السنة وحي، وما دامت وحيًّا وما دامت هي مبينة للقرآن الكريم فإذن لا بد أن تحفظ كما حفظ القرآن الكريم، ولذلك قلنا عن آيات سورة القيامة: إنها تدل دلالة قاطعة وصريحة في غير لبس على أن السنة محفوظة بحفظ الله -تبارك وتعالى-.
الإمام ابن حزم -رحمه الله تبارك وتعالى- في كتابه (الإحكام في أصول الأحكام) يضيف دليلًا قويًّا وعظيمًا، يقول -رحمه الله تعالى-: لمّا بينا أن القرآن هو الأصل المرجوعُ إليه في الشرائع، نظرنا فيه فوجدنا فيه إيجاب طاعة ما أمرنا به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ووجدناه -عز وجل- يقول فيه واصفًا لرسوله -صلى الله عليه وسلم-: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} فصحّ لنا بذلك أن الوحي ينقسم من الله -عز وجل- إلى رسوله -صلى الله عليه وسلم- على قسمين؛ أحدهما: وحيٌ متلو مؤلف تأليفًا معجز النظام وهو القرآن، والثاني: وحي مروي منقول غير مؤلّف ولا معجز النظام ولا متلو لكنه مقروء، وهو الخبر الوارد عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو المبيّن عن الله -عز وجل- مراده منّا.