وبإيجاز، الله -عز وجل- فطرنا على معرفة الحق والاهتداء إليه، ولكن الله -عز وجل- لم يُقم حجته علينا بالفطرة فقط؛ لأن الله -عز وجل- يعلم أن الفطرة قد تُنسخ بفعل فاعل، كما ورد في الحديث الصحيح: ((كل مولود يُولد على الفطرة، فأبواه يهوِّدناه، أو ينصرانه، أو يمجسانه)) ولكي لا يعتذر معتذر بأن فطرته قد مُسخت، ولم يعد يعرف الحق من الباطل، أو يعرف الخطأ من الصواب أنزل الله ما يريده من عباده في كتاب تعهد بحفظه، وفي سنة أيضًا تعهد بحفظها، أرسل بالاثنين معًا رسوله -صلى الله عليه وسلم، ولذلك قال النبي -صلى الله عليه وسلم: ((نزلت الأمانة في جذر قلوب الرجال، ثم نزل القرآن؛ فعلموا من القرآن وعلموا من السنة)) أي: أقام الله عليهم الحجة برسول الله -صلى الله عليه وسلم، وبالقرآن الكريم، وبالسنة المطهرة. ولا يستطيع مسلم أن يزعم الآن أنه لا يعرف ما يُراد منه على وجه التحديد، إلا أن يكون ذلك من باب المجادلة العقيمة، أو من باب التنطع، ونسأل الله -عز وجل- السلامة من كل ذلك.
حديث حذيفة هذا رواه البخاري -رحمه الله تعالى- في كتاب الرقاب باب رفع الأمانة، وفي الفتن باب إذا بقي حثالة من الناس، ورواه في كتاب الاعتصام باب الاقتداء بسنن الله -صلى الله عليه وسلم، ورواه مسلم -رحمه الله تعالى- في كتاب الإيمان باب رفع الأمانة والإيمان من القلوب.
أيضًا من الأحاديث التي تدل على وجوب اتباع السنة ما ورد عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من حديث رواه الترمذي -رحمه الله تعالى- ورواه أيضًا أبو داود وغيرهما. قال عنه الترمذي: إنه حسن صحيح، من حديث العرباض بن سارية -رضي الله تعالى عنه- قال: ((صلى بنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الصبح ذات يوم، ثم أقبل علينا فوعظنا موعظة بليغة، ذرفت منها العيون، ووجلت منها القلوب فقال قائل: يا رسول الله، كأن هذه موعظة مودِّع، فماذا تعهد إلينا؟ فقال -صلى الله عليه وسلم: أوصيكم بتقوى الله، والسمع والطاعة، وإن كان عبدًا حبشيًّا -أي: وإن كان الذي تولَّى أمركم عبدًا حبشيًّا-