صبر كما صبروا، وبلغ كما بلغوا، ولكنه أوذي أكثر، وصبر أكثر، وقام بأعباء الرسالة أكمل قيام، عليه وعليهم الصلاة والسلام، مكث ثلاثا وعشرين سنة يبلغ رسالات الله ويدعو إليه، وينشر أحكامه، منها ثلاث عشرة سنة في أم القرى - مكة المكرمة - أولا بالسر، ثم بالجهر، صدع بالحق، وأوذي، وصبر على الدعوة وعلى أذى الناس، مع أنهم يعرفون صدقه وأمانته، ويعرفون فضله ونسبه ومكانته، ولكنه الهوى والحسد والعناد من الأكابر، والجهل والتقليد من العامة، فالأكابر جحدوا واستكبروا وحسدوا، والعامة قلدوا واتبعوا وأساءوا، فأوذي بسبب ذلك أشد الأذى عليه
الصلاة والسلام. ويدلنا على أن الأكابر قد عرفوا الحق وعاندوا قوله سبحانه: {قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ} .
فبين سبحانه أنهم لا يكذبون رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل يعلمون صدقه وأمانته في الباطن، وكانوا يسمونه: الأمين قبل أن