والحق أن هذه القضية لو وجدت قاضيا يقضي بالعدل لاكتفى بسماع هذه الشهادة التي جاءت بلسان صاحبها على نفسه، ولم يطلب وراءها شهادة شاهد آخر من العقل أو النقل، ذلك أنها ليست من جنس الدعاوي فتحتاج إلى بينة, وإنما هي من نوع الإقرار الذي يؤخذ به صاحبه.
ولا يتوقف صديق ولا عدو في قبوله منه, إذ أي مصلحة للعاقل الذي يدعي لنفسه حق الزعامة, ويتحدى الناس بالأعاجيب والمعجزات لتأييد تلك الزعامة؟ نقول: أي مصلحة في أن ينسب بضاعته لغيره وينسلخ منها انسلاخا؟ على حين أنه كان يستطيع أن ينتحلها, فيزداد بها رفعة شأنه، ولو انتحلها لما وجد من البشر أحدا يعارضه ويزعمها لنفسه.
الذي نعرفه أن كثيرا من الأدباء يسطون على آثار غيرهم فيسرقونها أو يسرقون منها ما خف حمله, وغلت قيمته, وأمنت تهمته حتى إن منهم من ينبش قبور الموتى, ويلبس من أكفانهم ويخرج على قومه في زينته من تلك الأثواب المستعارة.
أما إن أحدا ينسب لغيره أنفس آثار عقله وأغلى ما تجود به قريحته فهذا ما لم يلده الدهر بعد1.