قد بشر به فوجه البعثة1 الأولى من المهاجرين إلى الحبشة؛ ليعيشوا هناك بدينهم الجديد بعيدا عن سطوة الجبارين من كفار قريش, ولعل المسلمين بسلوكهم وإيمانهم يتركون أثرا, ولو كان قليلا وسط بيئة تعلم أن نبيا خاتما قد أظل زمانه, وفيهم من ينتظر قدومه ومبعثه.
وفي هجرة سيدنا جعفر بن أبي طالب في المرة الأولى2 دليل واضح على أن الهجرة أريد منها كذلك أن يسمع الناس عن الإسلام بالإضافة إلى بعد المسلمين عن مواطن الأذى.
إذ إن جعفر بن أبي طالب أخا علي بن أبي طالب وعلي لم يهاجر, وأبوهما أبو طالب يدافع عن الدعوة ما قصر يوما في حمياتها، ولا آذى عليا يوم أن رآه يصلي مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خفية بل قال له: أما إنه لم يدعك إلا إلى الخير فالزمه3.
وإذن فلماذا يهاجر جعفر بن أبي طالب في السنة الخامسة من المبعث ووالده ما زال حيا وما زال منافحا مدافعا عن الدعوة؟
إن أمر هجرته هو أمر تبليغ الدعوة بالطريقة الذاتية لها, وهو ابن عم النبي -صلى الله عليه وسلم- وأعلم الناس به وأعرفهم بأحواله وأحقهم بحمل رسالته؛ ولهذا كان هو المتحدث مع النجاشي في شأن الفتنة التي تودها قريش لما أرسلت رسوليها في طلب المهاجرين إلى الحبشة.