إِلَى بدر يَلْتَمِسُونَ الْخَبَر، فَأَصَابُوا راوية1 لقريش، فِيهَا أسلم غُلَام بني الْحجَّاج السهميين وَأَبُو يسَار عريض غُلَام بني سعيد بْن الْعَاصِ بْن أُميَّة. فَأَتَوْا بهما وَرَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَائِم يُصَلِّي، فسألوهما: من أَنْتُمَا؟ فَقَالَا: نَحن سقاة قُرَيْش. فكره أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا الْخَبَر وَكَانُوا يرجون أَن يَكُونَا من العير لما فِي العير من الْغَنِيمَة وَقلة المئونة وَلِأَن شَوْكَة قُرَيْش شَدِيدَة. فَجعلُوا يضربونهما. فَإِذا آلمهما الضَّرْب قَالَا: نَحن من عير أبي سُفْيَان. فَسلم رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من صلَاته، وَقَالَ: "إِذا صَدَقَاكُمْ ضربتموهما وَإِذا كَذَبَاكُمْ تركتموهما". ثمَّ قَالَ لما رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أخبراني أَيْن قُرَيْش؟ " قَالَا: هم وَرَاء هَذَا الْكَثِيب. فَسَأَلَهُمَا: "كم ينحرون كل يَوْم من الْإِبِل؟ " قَالَا: عشرا من الْإِبِل يَوْمًا وتسعا يَوْمًا، فَقَالَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الْقَوْم مَا بَين التسْعمائَة إِلَى الْألف".
وَكَانَ بسبس بْن عَمْرو وعدي بْن أبي الزغباء اللَّذَان بعثهما رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مستخبرين قد وصلا إِلَى مَاء بدر، فأناخا بِقرب المَاء، ثمَّ استقيا فِي شنهما2 ومجدي بْن عَمْرو بقربهما لم يفطنا بِهِ. فَسمع بسبس وعدي جاريتين من جواري الْحَيّ وإحداهما تَقول لِلْأُخْرَى: [أعطيني دَيْنِي، فَقَالَت الْأُخْرَى] 3 إِنَّمَا تَأتي العير غَدا أَو بعد غَد، فأعمل لَهُم ثمَّ أقضيك. فصدقهما مجدي وَكَانَ عينا لأبي سُفْيَان -وَرجع بسبس وعدي إِلَى النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَاهُ بِمَا سمعا.
وَلما قرب أَبُو سُفْيَان من بدر تقدم وَحده، حَتَّى أَتَى مَاء بدر، فَقَالَ لمجدي: هَل أحسست أحدا؟ فَقَالَ: لَا إِلَّا راكبين أناخا إِلَى هَذَا التل واستقيا المَاء ونهضا. فَأتى أَبُو سُفْيَان مناخهما، فَأخذ من أبعار بَعِيرَيْهِمَا، فَفَتَّهُ، فَإِذا فِيهِ النَّوَى، فَقَالَ: هَذِه وَالله علائف يثرب. فَرجع سَرِيعا حذرا فصرف العير عَن طريقها، وَأخذ طَرِيق السَّاحِل، فنجا، وَأوحى4 إِلَى قُرَيْش يُخْبِرهُمْ بِأَنَّهُ قد نجا هُوَ وَالْعير، فَارْجِعُوا. فَأبى أَبُو جهل، وَقَالَ: وَالله لَا نرْجِع حَتَّى نرى مَاء بدر وَنُقِيم عَلَيْهِ ثَلَاثًا، فتهابنا الْعَرَب أبدا. وَرجع