وَهُوَ لَا يُهَيِّجُهَا ثُمَّ الْتَفَتَتْ [خَلْفَهَا] فَكَرَّتْ إِلَى مَكَانِهَا وَبَرَكَتْ فِيهِ وَاسْتَقَرَّتْ، فَنَزَلَ عَنْهَا* صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ [وَسَلَّمَ] .
وَقد قيل إِنَّ جُبَارَ بْنَ صَخْرٍ مِنْ بَنِي سَلَمَةَ، وَكَانَ مِنْ صَالِحِي الْمُسْلِمِينَ، جَعَلَ يَنْخُسُهَا مُنَافَسَةً عَلَى بَنِي النَّجَّارِ فِي نُزُولِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَهُمْ، فَانْتَهَرَهُ أَبُو أَيُّوبَ عَلَى ذَلِكَ وَأَوْعَدَهُ. فَلَمَّا نَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ نَاقَتِهِ أَخَذَ أَبُو أَيُّوبَ رَحْلَهُ، فَحَمَلَهُ إِلَى دَارِهِ. وَنَزَلَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَارَ أَبِي أَيُّوبَ فِي بَيْتٍ مِنْهَا: عِلْيَتُهُ1 مَسْكَنُ أَبِي أَيُّوبَ. وَكَانَ أَبُو أَيُّوبَ قَدْ أَرَادَ أَنْ يَنْزِلَ لَهُ عَنْ ذَلِكَ الْمَسْكَنِ وسكنه فِيهِ، فَأَبَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ أَيَّامٍ سَقَطَ شَيْءٌ مِنْ مَاء أَو غُبَار على رَسُول الله فِي ذَلِكَ الْبَيْتِ، فَنَزَلَ أَبُو أَيُّوبَ وَأَقْسَمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ وَأَبْدَى الرَّغْبَةَ لَهُ لَيَطْلُعَنَّ إِلَى مَنْزِلِهِ وَيَهْبِطُ أَبُو أَيُّوبَ عَنْهُ. فَفَعَلَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
فَلَمْ يَزَلْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَاكِنًا عِنْدَ أَبِي أَيُّوبَ حَتَّى بَنَى مَسْجِدَهُ2، وَحُجَرَهُ وَمَنَازِلَ أَزْوَاجِهِ. ثُمَّ انْتَقَلَ عَنْهُ إِلَى مَا بَنَى فِي ذَلِكَ الْمِرْبَدِ. وَكَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ سَأَلَ عَنْهُ فَقِيلَ هُوَ لِغُلامَيْنِ، فَأَرَادَ شِرَاءَهُ، فَأَبَتْ بَنُو النَّجَّارِ مِنْ بَيْعِهِ، وَبَذَلُوهُ لِلَّهِ، وَعَاوَضُوا الْيَتِيمَيْنِ بِمَا هُوَ أَفْضَلُ. وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَى أَنْ يَأْخُذَهُ إِلا بِثمن، وَالله أعلم**.