عَلَيْهِ، وَالله لَا أخافك بعْدهَا، وَمَا كنت أَخَاف غَيْرك. وخرجا جَمِيعًا فِي وفدهم رَاجِعين إِلَى بِلَادهمْ، فَلَمَّا كَانَ بِبَعْض الطَّرِيق بعث اللَّه على عَامر بْن الطُّفَيْل الطَّاعُون فِي عُنُقه فَقتله اللَّه فِي بَيت امْرَأَة من بني سلول، فَجعل يَقُول: أَغُدَّةً1 كَغُدَّةِ الْبَكْرِ2 أَوْ غُدَّةِ الْبَعِيرِ، وموتا فِي بَيت سَلُولِيَّة3. وَوصل أَرْبَد إِلَى بَلَده فَقَالَ لَهُ قومه: مَا وَرَاءَك؟ قَالَ: وَالله لقد دَعَاني إِلَى عبَادَة شَيْء لَو أَنه عِنْدِي الْيَوْم لرميته بِالنَّبلِ حَتَّى أَقتلهُ. فَلم يلبث بعد قَوْله هَذَا إِلَّا يَوْمًا أَو يَوْمَيْنِ، وَأنزل اللَّه عَلَيْهِ صَاعِقَة، وَكَانَ على جمل قد رَكبه فِي حَاجَة، فأحرقه اللَّه عز وَجل هُوَ وجمله بالصاعقة.

وَقدم عَلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفد بني حنيفَة، فيهم مُسَيْلمَة بْن حبيب يكنى أَبَا هَارُون، وَقيل بل هُوَ مُسَيْلمَة بْن ثُمَامَة يكنى أَبَا ثُمَامَة. وَاخْتلف فِي دُخُوله على رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَروِيَ أَنه دخل مَعَ قومه على رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهم يسترونه بالثياب فَكَلمهُ [وَسَأَلَهُ] 4 فَأَجَابَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّك لَو سَأَلتنِي هَذَا العسيب 5 -لِعَسِيبٍ كَانَ مَعَه من سعف النّخل- مَا أعطيتكه". وَقد رُوِيَ أَن بني حنيفَة لما نزلُوا بِالْمَدِينَةِ خلفوا مُسَيْلمَة فِي رحالهم وَأَنَّهُمْ أَسْلمُوا وَذكروا مَكَان مُسَيْلمَة، وَقَالُوا: إِنَّا قد خَلَّفْنَا صاحبا لنا فِي رحالنا يحفظها لنا. فَأمر لَهُم رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا سَأَلُوهُ، وَأمر لَهُ بِمثل مَا أَمر لِقَوْمِهِ، وَقَالَ: "أما إِنَّه لَيْسَ بشركم مَكَانا" أَيْ لِحِفْظِهِ ضَيْعَةَ أَصْحَابه، ثمَّ انصرفوا عَن رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا انْتَهوا إِلَى الْيَمَامَة ارْتَدَّ عَدو اللَّه مُسَيْلمَة وَادّعى النُّبُوَّة، وَقَالَ: قد أشركني اللَّه فِي أمره. وَاتبعهُ أَكثر قومه، وَجعل لَهُم أسجاعا يضاهى6 بهَا الْقُرْآن، وَأحل لَهُم الْخمر [وَالزِّنَا] 7، وَأسْقط عَنْهُم الصَّلَاة فَمن سجعه قَوْله: "لقد أنعم على الحبلى أخرج مِنْهَا نسمَة تسْعَى من بَين صفاق8 وحشى" وَمثل هَذَا من سجعه، لَعنه الله.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015