ثمَّ بعثوا إِلَى أبي لبَابَة، وَكَانُوا حلفاء بني عَمْرو بْن عَوْف وَسَائِر الْأَوْس، فَأَتَاهُم، فَجمعُوا إِلَيْهِ أَبْنَاءَهُم ورجالهم ونساءهم وَقَالُوا لَهُ: يَا أَبَا لبَابَة أَتَرَى أَن ننزل على حكم مُحَمَّد؟ فَقَالَ: نعم، وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى حلقه، إِنَّه الذّبْح إِن فَعلْتُمْ. ثمَّ نَدم أَبُو لبَابَة فِي الْحِين، وَعلم أَنه خَان اللَّه وَرَسُوله، وَأَنه أَمر لَا يستره اللَّه عَن نبيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَانْطَلق إِلَى الْمَدِينَة وَلم يرجع إِلَى النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَربط نَفسه فِي سَارِيَة1، وَأقسم لَا يبرح مَكَانَهُ حَتَّى يَتُوب اللَّه عَلَيْهِ. فَكَانَت امْرَأَته تحله لوقت كل صَلَاة. قَالَ ابْن عُيَيْنَة وَغَيره: فِيهِ نزلت: {يَا أَيهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُول وتخونوا أماناتكم} . وَأقسم أَن لَا يدْخل أَرض بني قُرَيْظَة أبدا، مَكَانا أصَاب فِيهِ الذَّم2. فَلَمَّا بلغ ذَلِك النبيَّ من فعل أبي لبَابَة قَالَ: "أما إِنَّه لَو أَتَانِي لاستغفرت لَهُ، وَأما إِذا فعل فلست أُطْلِقُهُ حَتَّى يُطلقهُ اللَّه" فَأنْزل اللَّه تَعَالَى فِي أَمر أبي لبَابَة: {وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ ... } الْآيَة فَلَمَّا نزل فِيهِ الْقُرْآن أَمر رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِإِطْلَاقِهِ*.
وَنزل -فِي تِلْكَ اللَّيْلَة الَّتِي فِي صبيحتها نزلت بَنو قُرَيْظَة على حكم رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثَعْلَبَة، وَأسيد3 ابْنا سعية، وَأسد بْن عبيد، وهم نفر من هدل بني عَم قُرَيْظَة وَالنضير وَلَيْسوا من قُرَيْظَة وَالنضير، نزلُوا مُسلمين، فأحرزوا أَمْوَالهم وأنفسهم. وَخرج فِي تِلْكَ اللَّيْلَة عَمْرو بْن سعدي [الْقرظِيّ] 4 وَمر بحرس رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلِيهِ مُحَمَّد بْن مسلمة