وَكَانَت وقْعَة أحد يَوْم السبت لِلنِّصْفِ2 من شَوَّال من السّنة الثَّالِثَة من الْهِجْرَة. فَلَمَّا كَانَ من الْغَد يَوْم الْأَحَد أَمر رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْخرُوجِ فِي إِثْر الْعَدو، وعهد أَن لَا يخرج مَعَه إِلَّا من حضر المعركة، فاستأذنه جَابر بْن عَبْد اللَّهِ فِي أَن يفسح لَهُ فِي الْخُرُوج مَعَه، فَفعل وَكَانَ أَبوهُ عَبْد اللَّهِ بْن عَمْرو بْن حرَام مِمَّن اسْتشْهد يَوْم أحد فِي المعركة.
فَخرج الْمُسلمُونَ على مَا بهم من الْجهد والقرح3، وَخرج رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرْهِبًا4 لِلْعَدو، حَتَّى بلغ موضعا يدعى حَمْرَاء الْأسد على رَأس ثَمَانِيَة5 أَمْيَال من الْمَدِينَة فَأَقَامَ بِهِ يَوْم الْإِثْنَيْنِ6، وَالثُّلَاثَاء، وَالْأَرْبِعَاء، ثمَّ رَجَعَ إِلَى الْمَدِينَة. قَالَ ابْن إِسْحَاق: وَإِنَّمَا خرج بهم رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرْهِبًا لِلْعَدو وليظنوا أَن بهم قُوَّة وَأَن الَّذِي أَصَابَهُم لم يُوهِنهُمْ عَن عدوهم7.
وَكَانَ معبد بْن أبي معبد الْخُزَاعِيّ قد رأى خُرُوج رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُسْلِمين إِلَى حَمْرَاء الْأسد، وَلَقي أَبَا سُفْيَان وكفارَ قُرَيْش بِالرَّوْحَاءِ، فَأخْبرهُم بِخُرُوج رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي طَلَبهمْ، ففت ذَلِك فِي أعضاد قُرَيْش، وَقد كَانُوا أَرَادوا الرُّجُوع إِلَى الْمَدِينَة، فكسرهم خُرُوجه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فتمادوا إِلَى مَكَّة.
وظفر رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي خُرُوجه بِمُعَاوِيَة بْن الْمُغيرَة بْن الْعَاصِ بْن أُميَّة، فَأمر بِضَرْب عُنُقه صبرا، وَهُوَ وَالِد عَائِشَة أم عَبْد الْملك بْن مَرْوَان.