نَادَى قومه وعرفهم بِنَفسِهِ قَالُوا: لَا أنعم اللَّه بك عينا يَا فَاسق، فَقَالَ: لقد أصَاب قومِي بعدِي شَرّ، ثمَّ قَاتل الْمُسلمين قتالا شَدِيدا.
وَكَانَ شعار أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْم أحد: أَمِتْ أَمِتْ. وأبلى يَوْمئِذٍ عَليّ وَحَمْزَة وَأَبُو دُجَانَة وَطَلْحَة1 بلَاء حسنا، وأبلى أنس2 بن النضرة يَوْمئِذٍ بلَاء حسنا وَكَذَلِكَ جمَاعَة من الْأَنْصَار أبلوا وأصيبوا يَوْمئِذٍ مُقْبِلين غير مُدبرين. وَقَاتل النَّاس قتالا شَدِيدا ببصائر ثَابِتَة، فانهزمت قُرَيْش، واستمرت الْهَزِيمَة عَلَيْهِم، فَلَمَّا رأى ذَلِك الرُّمَاة قَالُوا: قد هُزِمَ أَعدَاء اللَّه فَمَا لقعودنا هَا هُنَا معنى. فَذَكَّرَهُمْ أَمِيرهمْ عَبْد اللَّهِ بْن جُبَير أَمْرَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إيَّاهُم بِأَن لَا يزولوا3 فَقَالُوا: قد انْهَزمُوا وَلم يلتفتوا إِلَى قَوْله، وَقَامُوا. ثمَّ كرّ الْمُشْركُونَ وَولى الْمُسلمُونَ وَثَبت من أكْرمه اللَّه مِنْهُم بِالشَّهَادَةِ. وَوصل إِلَى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فقاتل دونه مُصعب بْن عُمَيْر حَتَّى قتل رَضِي اللَّه عَنهُ، وجرح رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي وَجهه وَكسرت رباعيته4 الْيُمْنَى السُّفْلى بِحجر وهشمت الْبَيْضَة5 [على] رَأسه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وجزاه عَن أمته بِأَفْضَل مَا جزى بِهِ نَبيا من أنبيائه عَن صبره. وَكَانَ الَّذِي تولى ذَلِك من النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام عَمْرو بْن قمئة اللَّيْثِيّ وَعتبَة بْن أبي وَقاص. وَقد قيل إِن عَبْد اللَّهِ بْن شهَاب جدَّ6 الْفَقِيه مُحَمَّد بْن مُسلم بْن شهَاب هُوَ الَّذِي شج رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي جَبهته7. وَأَكَبَّتْ الْحِجَارَة على رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ8 حَتَّى سقط فِي حُفْرَة كَانَ أَبُو عَامر الراهب قد حفرهَا مكيدة للْمُسلمين، فَخر عَلَيْهِ السَّلَام على جنبه، فَأخذ عَليّ بِيَدِهِ، واحتضنه طَلْحَة حَتَّى قَامَ. وَمَصَّ مَالك بْن سِنَان -وَالِد أبي سعيد الْخُدْرِيّ- من جرح