مما ترك، والعوض من الله قد يكون من جنس المتروك، أو من غير جنسه، ومنه الأنس بالله عز وجل ومحبته وطمأنينة القلب وانشراح الصدر، ويكون في الدنيا والآخرة، كما علم الله المؤمن أن يدعو: {رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآَخِرَةِ حَسَنَةً} [البقرة: 201].
قال قتادة السدوسي: لا يقدر رجل على حرام ثم يدعه ليس به إلا مخافة الله عز وجل، إلا أبدله في عاجل الدنيا قبل الآخرة.
روى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث أبي هريرة: عنه - صلى الله عليه وسلم - فيما يرويه عن ربه قال: «يَقُولُ اللهُ: إِذَا أَرَادَ عَبْدِي أَنْ يَعْمَلَ سَيِّئَةً فَلاَ تَكْتُبُوهَا عَلَيْهِ حَتَّى يَعْمَلَهَا، فَإِنْ عَمِلَهَا فَاكْتُبُوهَا بِمِثْلِهَا، وَإِنْ تَرَكَهَا مِنْ أَجْلِي فَاكْتُبُوهَا لَهُ حَسَنَةً، وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَعْمَلَ حَسَنَةً فَلَمْ يَعْمَلْهَا فَاكْتُبُوهَا لَهُ حَسَنَةً، فَإِنْ عَمِلَهَا فَاكْتُبُوهَا لَهُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعِمِئَةِ ضِعْفٍ» (?).
والأمثلة التي تبين عظيم خلف الله تعالى لعباده كثيرة جدًّا، منها: ما قصه الله تعالى عن نبي الله سليمان عليه السلام في سورة (ص: )، وخلاصته: أنه كان محبًّا للجهاد في سبيل الله، ولذلك كانت عنده خيل كثيرة وكان يحبها حبًّا شديدًا، فاشتغل بها يومًا حتى فاتته صلاة العصر، فغربت الشمس قبل أن يصلي، فأمر بها فردت عليه، فضرب أعناقها وعراقيبها بالسيوف إيثارًا لمحبة الله عز وجل، وقد كان ذلك جائزًا في شريعتهم.
فعوضه الله عز وجل خيرًا منها الريح التي تجري بأمره رُخاءً حيث أصاب، تقطع في النهار ما يقطعه غيرها في شهرين.
وإليك الآيات فتدبر. قال تعالى: {وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ العَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ * إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ الجِيَادُ * فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ