قال ابن القيم -رحمه الله-: «ومن علامات تعظيم الأمر والنهي أن لا يسترسل مع الرخصة إلى حد يكون صاحبه جافيًا غير مستقيم على المنهج الوسط ... فحقيقة التعظيم للأمر والنهي أن لا يُعارضا بترخُّص جاف، ولا يُعرَّضا لتشديد غال، فإن المقصود هو الصراط المستقيم الموصل إلى الله -عز وجل- بسالكه.
وما أمر الله -عز وجل- بأمر إلا وللشيطان فيه نزغتان، إما تقصير وتفريط، وإما إفراط وغلو، فلا يبالي بما ظفر من العبد من الخطيئتين، فإنه يأتي إلى قلب العبد فَيُشَامُّه، فإن وجد فيه تقصيرًا وفتورًا وتوانيًا وترخيصًا أخذه من هذه الخطة، فَثَبَّطَه وأقعده، وضربه بالكسل والتواني والفتور، وفتح له باب التأويلات والرجاء .. وغير ذلك، حتى ربما ترك العبد المأمور جملة. وإن وجد عنده حذرًا وجدًّا، وتشميرًا ونهضة، وأيس أن يأخذه من هذا الباب أمره بالاجتهاد الزائد، وسوَّل له أن هذا لا يكفيك، وهمتك فوق هذا، وينبغي لك أن تزيد على العاملين، وألاَّ ترقد إذا رقدوا، ولا تفطر إذا أفطروا، وألاَّ تفتر إذا فتروا، وإذا غسل أحدهم يديه ووجهه ثلاث مرات فاغتسل أنت سبعًا، وإذا توضأ للصلاة فاغتسل أنت لها .. ونحو ذلك من الإفراط والتعدي، فيحمله على الغلو والمجاوزة وتعدي الصراط المستقيم، كما يحمل الأول على التقصير دونه، وأن لا يقربه.
ومقصوده من الرجلين إخراجهما عن الصراط المستقيم، هذا بأن لا يقربه ولا يدنو منه، وهذا بأن يتجاوزه ويتعداه، وقد فُتن بهذا أكثر الخلق، ولا يُنْجي من ذلك إلا علم راسخ، وإيمان،