نفسه الرياء، أو عُرف ذلك منه كان الإِخفاء أفضل من الإِبداء لقوله تعالى: {وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} [البقرة: 271] إلى آخر ما قال (?).
ومما تقدّم من الآيات والأحاديث يتبيَّن أنه ينبغي للمؤمن أن يخفي أعماله الصالحة عن الخلق، إلا التي يشرع إعلانها، فإن الذي يعمل لأجله لا تخفى عليه أعماله، وسيجزيه عليها أوفر الجزاء، قال تعالى: {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ} [التوبة: 105]، وليعلم العبد أنه لا ينفعه اطلاع الناس على ما يعمله؛ بل قد يضره إذا أحب ذلك.
وقد كان هدي السلف الصالح الحرص على إِخفاء الأعمال، وذلك لكمال إخلاصهم وصفاء نياتهم.
روى أبو داود في سننه من حديث أبي قتادة - رضي الله عنه -: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لأبي بكر: «مَرَرْتُ بِكَ وَأَنْتَ تُصَلِّي تَخْفِضُ صَوْتَكَ» فَقَالَ: إِنِّي قَدْ أَسْمَعْتُ مَنْ نَاجَيْتُ يَا رَسُولَ اللهِ (?).
ونقل الذهبي في سير أعلام النبلاء أن علي بن الحسين كان يحمل الخبز بالليل على ظهره، يتبع به المساكين في الظلمة ويقول: إن الصدقة في سواد الليل تطفئ غضب الرب.
وقال محمد بن إسحاق: كان ناس من المدينة يعيشون لا يدرون من أين معاشهم، فلما مات علي بن الحسين فقدوا ذلك الذي كانوا يؤتون بالليل، وقال بعضهم: ما فقدنا صدقة السر حتى توفي علي (?).