قال: "يَا مُعَاذُ، إِنَّكَ عَسَى أَنْ لَا تَلْقَانِي بَعْدَ عَامِي هَذَا، وَلَعَلَّكَ أَنْ تَمُرَّ بِمَسْجِدِي وَقَبْرِي"، فَبَكَى مُعَاذٌ جَشَعاً (?) لِفِرَاقِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ثُمَّ الْتَفَتَ فَأَقْبَلَ بِوَجْهِهِ نَحْوَ المَدِينَةَ، فَقَالَ: "إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِي الْمُتَّقُونَ مَنْ كَانُوا وَحَيثُ كَانُوا" (?)، وفي رواية أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال "لَا تَبْكِ يَا مُعَاذُ، إِنَّ البُكَاءَ مِنَ الشَّيْطَانِ" (?).
ولما حضرت معاذ الوفاة قال: اللَّهُمَّ إِنَّكَ تَعْلَمُ أَنِّي لَمْ أَكُنْ أُحِبَّ البَقَاءَ في الدُّنْيَا لِكَرْيِ الأَنْهَارِ، وَلَا لِغَرْسِ الأَشْجَارِ، وَلَكِنْ كُنْتُ أُحِبُّ البَقَاءَ لِمُكَابَدَةِ اللَّيْلِ الطَّوِيلِ، وَلِظَمَإِ الهَوَاجِرِ في الحَرِّ الشَّدِيدِ، وَلِمُزَاحَمَةِ العُلَمَاءِ بِالرُّكَبِ عِنْدَ حِلَقِ الذِّكْرِ.
وقد توفي - رضي الله عنه - بمرض الطاعون في بلاد الشام، فروى الإِمام أحمد في مسنده من حديث أَبِي مُنِيبٍ الأَحْدَبِ قَالَ: خَطَبَ مُعَاذٌ بِالشَّامِ، فَذَكَرَ الطَّاعُونَ فَقَالَ: إِنَّهَا رَحْمَةُ رَبِّكُمْ، وَدَعْوَةُ نَبِيِّكُمْ، وَقَبْضُ الصَّالِحِينَ قَبْلَكُمْ. اللهُمَّ أَدْخِلْ عَلَى آلِ مُعَاذٍ نَصيبَهُمْ مِنْ هَذِهِ الرَّحْمَةِ. ثُمَّ نَزَلَ مِنْ مَقَامِهِ ذَلِكَ، فَدَخَلَ عَلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُعَاذٍ، فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: {الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ} [البقرة: 147]، فَقَالَ مُعَاذ: {سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ} [الصافات: 102] (?).