ذلك، يتضح لك ما وقع فيه أرباب الأغاني والملاهي؛ فإن الخطر العظيم؛ وتعلم بذلك صراحة الآية الكريمة في ذمهم وعيبهم، وأن شراءهم للهو الحديث، واختيارهم له، من وسائل الضلال والإضلال، وإن لم يقصدوا ذلك أو يعلموه.
وذلك لأن الله سبحانه مدح أهل القرآن في أول السورة وأثنى عليهم بالصفات الحميدة، وأخبر أنهم أهل الهدى والفلاح، حيث قال عز وجل: (بسم الله الرحمن الر حيم) ، {الم تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ هُدىً وَرَحْمَةً لِلْمُحْسِنِينَ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ أُولَئِكَ عَلَى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [سورة لقمان آية: 1-2-3-4-5] .
ثم قال سبحانه بعد هذا: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ} [سورة لقمان آية: 6] الآية، وذلك يدل على ذم هؤلاء المشترين، وتعرضهم للضلال بعد الهدى، وما كان وسيلة للضلال والإضلال، فهو مذموم يجب أن يحذر ويبتعد عنه.
وهذا الذي قاله الحافظ بن كثير في تفسير الآية، قاله غيره من أهل التفسير، كابن جرير، والبغوي، والقرطبي، وغير واحد، حتى قال الواحدي في تفسيره: أكثر المفسرين على أن لهو الحديث، هو: الغناء، وفسره آخرون بالشرك، وفسره جماعة بأخبار الأعاجم، وبالأحاديث الباطلة، التي تصد عن الحق؛ وكلها تفاسير صحيحة لا منافاة بينها.