والله تعالى: لا يعذب خلقه إلا بعد الإعذار إليهم، فأرسل رسله وأنزل كتبه، لئلا يقولوا: {لَوْلا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [سورة القصص آية: 47] ، وقال: {وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُمْ بِعَذَابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزَى} [سورة طه آية: 134] .
وكل من بلغه القرآن فليس بمعذور؛ فإن الأصول الكبار، التي هي أصل دين الإسلام، قد بينها الله تعالى في كتابه، وأوضحها وأقام بها حجته على عباده. وليس المراد بقيام الحجة أن يفهمها الإنسان فهما جليا، كما يفهمها من هداه الله ووفقه، وانقاد لأمره; فإن الكفار قد قامت عليهم الحجة من الله تعالى، مع إخباره بأنه جعل على قلوبهم أكنة أن يفقهوا كلامه، فقال: {وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْراً} [سورة الأنعام آية: 25] .
وقال: {قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمىً} [سورة فصلت آية: 44] ، وقال تعالى: {إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ} [سورة الأعراف آية: 30] ، وقال تعالى: {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاًالَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً} [سورة الكهف آية: 103-104] .