تعمر البلاد، وبه تنمو الأموال، ومعه يكثر النسل، وبه يأمن السلطان، وليس شيء أسرع في خراب الأرض، ولا أفسد لضمائر الخلق، من الظلم والجور، لأنه ليس يقف على حد، ولا ينتهي إلى غاية، ولكل جزء منه قسط من الفساد، حتى يستكمل.
والعرب لما استناروا بنور الدين المبين، وجمعت متبدد شملهم كلمة الحق، ودان لهم من دان من الأمم، شملوا الناس بالعدل في أحكامهم، وأعمالهم وأقوالهم، إذ كان من أهم مقاصد الشريعة الغراء، وأعظم مطالبها وأجل قضاياها، وبذلك تعلقت آيات التنْزيل، فمنها قوله: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ} [سورة النساء آية: 58] وفي الحديث " بئس الزاد إلى المعاد، العدوان على العباد " إلى غير ذلك من النصوص، التي يضيق عنها الحصر.
ومن وقف على سيرة الخلفاء الراشدين وغيرهم، من أمراء العدل من العرب تبين له: أن ما كان من استقامة ملكهم، واتساع مملكتهم، إنما هو بالعدل التام، ووضع الأمور في مواضعها والعدل باب واسع، يجري في أمور كثيرة، ومرجعه إلى عدل الإنسان في نفسه، ثم عدله في غيره.
فأما عدله في نفسه، فيكون بحملها على المصالح،