ومثل هذه الآية، التي تقدم ذكرها، قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُواً وَلَعِباً} الآية [سورة المائدة آية: 57] ، وقال تعالى في الآيات قبلها: {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} الآية [سورة المائدة آية: 51] . وهذه الآية وأمثالها، تعرف بعظم هذا الذنب: في هذه الآية، قد جعلها تعالى من موانع الهداية، ووصف الفاعل بالظلم، فسماهم الظالمين، وفي هذه السورة وغيرها قبلها وبعدها في السور، ما يدل على أن هذا ردة عن الإسلام، يظهر فيها لمن تدبر.
وصرح شيخنا، رحمه الله، في رده على ابن سحيم وغيره، وسبقه إلى ذلك العلماء، كأبي جعفر ابن جرير في تفسيره، وبرهانه ظاهر في القرآن - ولله الحمد والمنة - والناس إنما يعرفون بأعمالهم، كما قال تعالى: {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ} الآية [سورة التوبة آية: 105] . فإذا عمل العبد بأعمال أهل الإيمان، ولم يأت بما ينافي ذلك، صار مؤمناً مع المؤمنين للآية، وإن عمل بأعمال أهل النفاق، من الكفرة والمرتدين، صار منهم ولا بد، وإن كان من أرفع الناس نسباً وأكثرهم مالاً وحسباً، شاء أم أبى. فلا يرجونّ عبد إلا ربه، ولا يخافنّ إلا ذنبه، وما أحسن ما قال الحسن البصري، رحمه الله: "ليس الإيمان بالتحلي ولا بالتمني، ولكن ما وقر في القلوب، وصدقته الأعمال".