قال، رحمه الله: فينبغي للعقلاء، أن يعتبروا بسنة الله وآياته في عباده، ودأب الأمم وعادتهم، لا سيما في مثل هذه الحادثة العظيمة، التي طبق الخافقين خبرها، واستطار في جميع ديار المسلمين شررها، وأطلع النفاق ناصية رأسه، وكشف الكفر فيها عن أنيابه وأضراسه، وكاد منها عمود الكتاب أن يجتث ويخترم، وحبل الإيمان أن يقطع ويصطلم، وعقر دار المسلمين أن يحل بها البوار، ويزول هذا الدين باستيلاء الفجرة التتار، وظن المنافقون والذين في قلوبهم مرض، أن ما وعدهم الله ورسوله إلا غروراً، وأن لن ينقلب الرسول والمؤمنين إلى أهليهم أبداً، وظنوا ظن السوء وكانوا قوما بوراً.
وقد نزلت فتنة، تركت الحليم فيها كالحيران، وأنزلت الصاحي منزلة السكران، وتركت الرجل اللبيب لكثرة الوسواس ليس بالنائم ولا اليقظان، وتناكرت فيها قلوب المعارف والإخوان، حتى بقي للرجل بنفسه شغل عن أن يغيث اللهفان، وميز الله فيها أهل البصائر والإيقان، من الذين في قلوبهم مرض أو نفاق أو ضعف إيمان، ورفع بها أقواماً إلى الدرجات العالية، كما وضع بها أقواماً إلى المنازل الهاوية، وكفر عن آخرين أعمالهم الخاطئة.
وحدث فيها من أنواع البلوى ما جعلها مختصرة من القيامة الكبرى، فإن الناس تفرقوا فيها ما بين شقي وسعيد،