قال أنس، ويكون مدة إقامته بمكة أربعة أيام سواء، لأنه خرج منها في اليوم الثامن، فصلى الظهر بمنى؛ ومن ثم قال الشافعي: إن المسافر إذا قام ببلد أربعة أيام قصر، وقال أحمد إحدى وعشرين صلاة.

وأما قول ابن رشد: أراد البخاري أن يبين أن حديث أنس داخل في حديث ابن عباس، في أن إقامته عشرة داخل في إقامته تسعة عشر، فأشار بذلك إلى أن الأخذ بالزائد متعين، ففيه نظر لأن ذلك إنما يجيء على اتحاد القصتين، والحق أنهما مختلفتان؛ فالمدة التي في حديث ابن عباس يسوغ الاستدلال بها على من لا ينوي الإقامة، بل كان متردداً حتى تهيأ له فراغ حاجته ويرحل، والمدة التي في حديث أنس يستدل بها على من نوى الإقامة، لأنه صلى الله عليه وسلم في أيام الحج كان جازماً بالإقامة تلك المدة.

ووجه الدلالة من حديث ابن عباس: أنه لما كان أن الأصل في المقيم الإتمام، فلما لم يجئ عنه صلى الله عليه وسلم أنه أقام في حال السفر أكثر من تلك المدة جعلها غاية للقصر; وفيه: أن الإقامة في أثناء السفر تسمى إقامة، وإطلاق اسم البلدة على ما جاورها وقرب منها، لأن منى وعرفة ليسا من مكة، ثم ذكر كلام أحمد في حديث أنس المتقدم.

وقال المحب الطبري: أطلق على ذلك إقامة بمكة لأن هذه مواضع النسك، وهي في حكم التابع بمكة، لأنها المقصودة بالأصالة، لا يتجه سوى ذلك، كما قال الإمام أحمد، والله أعلم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015