وقد أخبر أن المنافقين لما قربوا من المدينة، تارة يقولون للمؤمنين: هذا الذي جرى علينا بشؤمكم، فأنتم الذين دعوتم الناس إلى هذا الدين، وقاتلتم عليه، وخالفتموهم. وتارة يقولون: أنتم الذين أشرتم علينا بالمقام هنا، وإلا لو كنا قد سافرنا لما أصابنا هذا، وتارة يقولون: أنتم مع قلتكم وضعفكم، تريدون أن تكسروا العدو، وقد غركم دينكم. وتارة يقولون: أنتم مجانين لا عقل لكم، تريدون أن تهلكوا أنفسكم، وتهلكوا الناس معكم. وتارة يقولون أنواعا من الكلام المؤذي. فأخبر الله عنهم بقوله عز وجل: {يَحْسَبُونَ الأَحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُوا وَإِنْ يَأْتِ الأَحْزَابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بَادُونَ فِي الأَعْرَابِ يَسْأَلونَ عَنْ أَنْبَائِكُمْ وَلَوْ كَانُوا فِيكُمْ مَا قَاتَلُوا إِلاَّ قَلِيلاً} [سورة الأحزاب آية: 20] .

فوصفهم تبارك وتعالى بثلاثة أوصاف:

الأول: أنهم لفزعهم منهم يحسبون الأحزاب لم ينصرفوا عن البلد، وهذا حال الجبان، الذي في قلبه مرض؛ فإن قلبه يبادر إلى تصديق الخبر المخوف، وتكذيب خبر الأمن.

الوصف الثاني: أن الأحزاب إذا جاؤوا، تمنوا أن لا يكونوا بينكم، بل في البادية بين الأعراب، {يَسْأَلونَ عَنْ أَنْبَائِكُمْ} [سورة الأحزاب آية: 20] ، أي شيء خبر المدينة؟ وأي شيء خبر الناس؟ الوصف الثالث: أن الأحزاب إذا أتوا وهم فيكم لم يقاتلوا إلا قليلا وهذه الأوصاف الثلاثة منطبقة على كثير من الناس.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015