فأجاب: لا نجعلهم كالمقيمين أبداً، ولا كالمسافرين مطلقاً، بل هذا محل تفصيل: فأما إذا نزلوا منْزلاً ونووا استيطانه ما دام المرعى فيه، أو نووا الإقامة وقتًا دون وقت، أو نزلوا على ماء ونووا الإقامة عليه ما وجدوا لدوابهم مرعى، أو نووا الإقامة على هذا الماء وقتاً دون وقت، فهم والحالة هذه مقيمون تثبت لهم أحكام الإقامة، ولا يستبيحون رخص السفر، لأن هذا هو الاستيطان في حق هؤلاء، والعرف يشهد بذلك. وأما إذا ظعنوا من هذه المنازل وما أشبهها إلى منْزل آخر، أو من ماء إلى ماء، وما بين المنْزلين أو الماءين مسيرة يومين قاصدين، فإنهم حينئذ يسمون مسافرين، لأن هذا يسمى سفراً في حق هؤلاء؛ وكلام صاحب الإقناع على سبيل التمثيل لا الحصر: وقد ذكروا في الملاح الذي معه أهله وليس له نية الإقامة ببلد، أنه ليس له الترخص، فيعتبر في السفر كونه منقطعاً لا دائماً.

ولا بد مع ذلك من اجتماع أمرين، أن يكون البدوي معه أهله، وأن لا ينوي الإقامة في موضع، فإن اختل شرط منها أبيح له رخص السفر؛ فالبدوي بمنْزلة الملاح في السفينة، كما أن الملاح لو نوى الإقامة وهو في سفينة في موضع من البحر، ثم سافر إلى موضع آخر لحمل متاع أو غيره، حكمنا بأنه مسافر ولو كان أهله معه؛ وهذا هو الذي يظهر لنا ونفهم من معنى كلام الله ورسوله، لأن الله تعالى يقول:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015