القاضي عما أجمعوا عليه; فإن اختلفوا، فالأولى أن يتبع ما عليه الأكثر; وصرح بأنه يكره له أن يقضي بما انفرد به الواحد منهم عما عليه الثلاثة، لكونه مذهب شيخه أو أهل بلده، وذكر أنه يخاف على هذا أن يكون متبعاً لهواه.

وتضمن كلامه أيضاً: أن الإجماع انعقد على تقليد كل واحد من المذاهب الأربعة دون من عداهم من الأئمة، لأن مذاهبهم مدونة، قد حررت، ونقحها أتباعهم، بخلاف أقوال غيرهم من الأئمة؛ فلأجل هذا جاز تقليدهم. فليس في كلامه إلا حكاية الإجماع على جواز تقليدهم، لا على وجوبه؛ بل صرح بأن القاضي لا ينبغي له الاقتصار على مذهب واحد منهم، لا يفتي إلا به.

بل ذكر أن الأولى للقاضي أن يتوخى مواطن الاتفاق إن وجده، وإلا توخى ما عليه الأكثر، فيعمل بما قاله الجمهور، لا بما قاله الواحد منهم مخالفاً الأكثر.

فقضية كلامه: أن المقلد لا يخرج عن أقوال الأئمة الأربعة، بل يجتهد في أقوالهم، ويتوخى ما عليه أكثرهم، إلا أن يكون للواحد منهم دليل، فيأخذ بقول من كان الدليل معه، فيكون من {الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ} [سورة الزمر آية: 18] ، وهذا من جنس ما أشرنا إليه فيما تقدم، من أن المقلد إذا كان نبيهاً، وله ملكة قوية، ونظر فيما تنازع فيه الأئمة، وأمعن النظر في أدلتهم وتعليلاتهم، تبين له

طور بواسطة نورين ميديا © 2015