ودأب له فيه سواه، وانتهى له الأمر من هؤلاء الأئمة المجتهدين، إلى ما أراحوا به من بعدهم، وانحصر الحق في أقاويلهم، ودونت العلوم وانتهت إلى ما اتضح فيه الحق، فإذا عمل القاضي في أقضيته بما يأخذ عنهم، أو عن الواحد منهم، فإنه في معنى من كان أداه اجتهاده إلى قول قاله.

وعلى ذلك، فإنه إذا خرج من خلافهم، متوخياً مواطن الاتفاق ما أمكنه، كان آخذاً بالحزم، وعاملاً بالأولى، وكذلك إذا قصد في مواطن الخلاف، وتوخى ما عليه الأكثر منهم، والعمل بما قاله الجمهور دون الواحد، فإنه قد أخذ بالحزم والأحوط والأولى، مع جواز علمه أن يعمل بقول الواحد.

إلا أنني أكره له أن يكون ذلك، من حيث إنه قد قرأ مذهب واحد منهم، أو نشأ في بلدة لم يعرف فيها إلا مذهب إمام واحد منهم، أو كان شيخه ومعلمه على مذهب فقيه من الفقهاء، فقصر نفسه على اتباع ذلك المذهب، حتى إنه إذا حضر عنده خصمان، وكان ما تشاجرا فيه مما يفتي الفقهاء الثلاثة فيه بحكم، نحو التوكيل بغير رضى الخصم، وكان الحاكم "حنفياً"، وقد علم أن مالكاً والشافعي وأحمد اتفقوا على جواز هذا التوكيل، وأن أبا حنيفه يمنعه، فعدل عما اجتمع عليه هؤلاء الأئمة الثلاثة، إلى ما ذهب إليه أبو حنيفة، بمجرد أنه قاله فقيه، هو في الجملة من فقهاء الأتباع له، ومن غير أن يثبت عنده بالدليل ما قاله، ولا أداه اجتهاده

طور بواسطة نورين ميديا © 2015