اختلاف العلماء، وأدلتهم في الكتب التي يذكر فيها أقوال العلماء وأدلتهم، كالمغنى، والشرح، والتمهيد لابن عبد البر، ونحو هذه الكتب، يحصل عنده في الغالب ما يعرف به رجحان أحد القولين؛ فإذا كان طالب العلم متمذهباً بأحد المذاهب الأربعة، ثم رأى دليلاً مخالفاً لمذهب إمامه، وذلك الدليل قد أخذ به بعض أئمة المذاهب ولم يعلم له ناسخاً، ولا معارضاً، فخالف مذهبه واتبع الإمام الذي قد أخذ بالدليل، كان مصيباً في ذلك; بل هذا الواجب عليه، ولم يخرج بذلك عن التقليد، فهو مقلد لذلك الإمام، فيجعل إماماً بإزاء إمام، ويبقى له الدليل بلا معارض.
قال في الاختيارات: من كان متبعاً لإمام، فخالفه في بعض المسائل، لقوة الدليل، أو لكون أحدهما أعلم أو أتقى، فقد أحسن; وقال أبو العباس في موضع آخر: بل يجب عليه، وإن أحمد نص عليه، ولم يقدح ذلك في عدالته بلا نزاع.
وقال أيضاً: أكثر من يميز في العلم من المتوسطين، إذا نطر، وتأمل أدلة الفريقين، بقصد حسن، ونظر تام، ترجح عنده أحدهما؛ لكن قد لا يثق بنظره، بل يحتمل أن عنده ما لا يعرف جوابه; والواجب على مثل هذا: موافقته للقول الذي ترجح عنده، بلا دعوى منه للاجتهاد، كالمجتهد في أعيان المفتين والأئمة، إذا ترجح عنده أحدهما قلده؛ والدليل