فوالله ما نسيت شيئا سمعته منه وأيم الله لولا آية في كتاب الله ما حدثتكم بشيء أبداً ثم تلا: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى} الآية (?) ". (?).
وأخرج مسلم من حديث أبي أيوب - رضي الله عنه -، أنه قال حين حضرته الوفاة: كنت كتمت عنكم شيئا سمعته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، يقول: "لولا أنكم تذنبون لخلق الله خلقا يذنبون يغفر لهم" (?).
والسبب الرئيس في تأخير تبليغ الحديث هو إما اكتفاءً بغيره من الصحابة ممن روى الحديث أو ربما اجتهاداً من الصحابي أنّ الحديث قد يتخذه بعض الناس ذريعة في تقصيرهم في العبادة، ومن ذلك انّ معاذ بن جبل - رضي الله عنه - حين حضرته الوفاة قال: اكشفوا عني سجف القبة، أحدثكم حديثا سمعته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. وقال مرة: أخبركم بشيء سمعته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -،لم يمنعني ان أحدثكموه إلاّ أنْ تتكلوا سمعته يقول: "من شهد أنْ لا إله إلاّ الله مخلصاً من قلبه أو يقيناً من قلبه لم يدخل النار أو دخل الجنة". وقال مرة:"دخل الجنة ولم تمسه النار " (?).فالاحتياط والتثبت لا يتعارض مع التبليغ، والصحابة الكرام - رضي الله عنهم - بلّغوا ما سمعوا وأدوا ما يجب عليهم تأديته، ولم يكتموا شيئاً من الدين.
من خلال التتبع للأحاديث النبوية نجد أن الصحابة الكرام كانت لهم سبل متعددة يتبعونها من أجل ضبط قبول الرواية أو ردها، وهو ينم عن حرصهم على سنة نبيهم، وحمايتها من الدخلة والمنتحلين، ولاسيما أن الله تعالى تكفل بحفظ الكتاب الكريم، وصار على عاتقهم حماية السنة النبوية، فكانوا أحق بحمل هذه الأمانة وأهلها، فهم خير جيلٍ عرفه التاريخ.
ومن هذه الضوابط: