3 - دقتهم وتحريهم وأمانتهم: أخرج مسلم من حديث عقبة بن عامر - رضي الله عنه -، قال: كانت علينا رعاية الإبل فجاءت نوبتي فروحتها بعشي فأدركت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قائما يحدث الناس فأدركت من قوله: «ما من مسلم يتوضأ فيحسن وضوءه، ثم يقوم فيصلي ركعتين، مقبل عليهما بقلبه ووجهه، إلا وجبت له الجنة» قال فقلت: ما أجود هذه فإذا قائل بين يدي يقول: التي قبلها أجود فنظرت فإذا عمر قال: إني قد رأيتك جئت آنفا، قال: " ما منكم من أحد يتوضأ فيبلغ - أو فيسبغ - الوضوء ثم يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبد الله ورسوله إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء " (?).
ومن هذا ما رواه عمرو بن ميمون قال: ما أخطأني ابن مسعود عشية خميس إلا أتيته فيه قال: فما سمعته بشيءٍ قط قال: (قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) فلما كان ذات عشية قال: " قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال: فنكس، قال: فنظرت إليه، فهو قائم محللة أزرار قميصه، قد اغرورقت عيناه، وانتفخت أوداجه، قال: أو دون ذلك، أو فوق ذلك، أو قريباً من ذلك أو شبيهاً بذلك" (?).
وبدأ التحذير من الكذب على النبي - صلى الله عليه وسلم - في وقت مبكر، فاوّل من حذر منه هو النبي - صلى الله عليه وسلم - نفسه فأخرج البخاري من حديث المغيرة بن شعبة - رضي الله عنه - " إنّ كذبا علي ليس ككذب على أحد من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار " (?).
وكذا كان الصحابة يحتاطون جداً في رواية الحديث خشية من التحريف أو التبديل، فكان بعضهم لشدة حذره يمتنع عن الرواية، وكان بعضهم يقول عقب الحديث (أو نحوه، أو بعناه ..).
ولهذا كان الصحابة بعد وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم - يحتاطون جداً من قبول الأحاديث، أورد الحافظ الذهبي عند ترجمة أبي بكر الصديق - رضي الله عنه -:"وكان أوّل من احتاط في قبول الأخبار، فروى ابن شهاب عن قبيصة بن ذؤيب أن الجدة جاءة إلى أبي بكر تلتمس أن تورث، فقال: ما أجد لك في كتاب الله شيئا، ما علمت أنّ رسول لله - صلى الله عليه وسلم - ذكر لك شيئا، ثم سأل الناس، فقام المغيرة فقال: حضرت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعطيها السدس فقال له: هل معك أحد؟ فشهد محمد بن مسلمة بمثل ذلك، فأنفذه لها أبو بكر - رضي الله عنه - " (?).