وبيّن بعضهم ذلك بوجه آخر هو: أنه تعالى بعد أن ذكر الأنبياء المشهور كل منهم بخصلة معينة من خصال الشرف.. أمره أن يقتدي بجميعهم بقوله عز قائلا: فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ، ومحال أن يقصر عن عدم امتثال ذلك، ويلزم من امتثاله جمعه لجميع ما تفرق فيهم من صفات الكمال، فيكون أفضل منهم بنص هذه الآية.
ولمسألة التفضيل بين الملك والبشر تتمّات ذكرتها أول «شرح الأربعين حديثا» التي جمعها الإمام النووي قدّس الله روحه، ونور ضريحه، آمين (?) .
واحتج بعضهم لأفضلية الملك على البشر بهذه الآية، زاعما أن تقديم الملائكة عليه صلى الله عليه وسلم في الذّكر يقتضي تقديمهم في الأفضلية، وليس كما زعم.
أمّا أولا: ف (الواو) لا تفيد ترتيبا، والتقديم الذّكري ليس نصّا في ذلك، لكنه ظاهر فيه، إلا أن يقوم دليل على خلافه، وهنا قامت الأدلة على تفضيل نبينا صلى الله عليه وسلم، بل سائر الأنبياء على الملائكة:
بعد ذكر جمع من الأنبياء: وَكلًّا فَضَّلْنا عَلَى الْعالَمِينَ، والملائكة من جملة العالمين.
وقوله: أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ. جَزاؤُهُمْ إلخ، والبرية: الخليقة، والملائكة من جملتهم، والَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لا يشملون الملائكة بقرينة قوله: جَزاؤُهُمْ والملائكة لا يجازون، بل منهم خدم لأهل الجنة، والموكلون بجهنم وغيرهم، وأيضا فلفظ: الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مخصوص شرعا- كما قاله ابن عبد السلام- بمن آمن من البشر، فلا تندرج فيه الملائكة بعرف الاستعمال.
وقوله تعالى: وَسَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ وهذا يشملهم، ولا شك أن المسخّر له مقصود بالذات، وغيره بالعرض.