الأشياء شهرة فيما بين أهل النقل، فلو جوّزنا أن مسمّى الصلاة في الأصل ما ذكر، ثم إنه خفي واندرس حتى صار بحيث لا يعرفه إلا الآحاد.. لجاز مثله في سائر الألفاظ، وبتجويزه ينتفي القطع بأن مراد الله تعالى منها معانيها التي يتبادر الفهم إليها؛ لاحتمال أنها كانت في زمانه صلى الله عليه وسلم موضوعة لمعان أخر، وكان مراد الله تعالى تلك المعاني، إلا أنها خفيت في زماننا واندرست، كما وقع مثله في هذه اللفظة، ولمّا كان ذلك باطلا بإجماع المسلمين.. علمنا أن الاشتقاق الذي ذكره مردود باطل) اهـ (?)
والحقّ أن هذا لا يلزم الزّمخشريّ؛ لأن المشتق قد يشتهر اشتهارا تامّا ويخفى المشتقّ منه، إذ لا تلازم بينهما في الاشتهار؛ لأن الاشتقاق أمر اعتباريّ لا يعرفه إلا أهل الصناعة، وأمّا تبادر الفهم إلى معنى اللفظ.. فهو أمر بديهيّ يعرفه الخاص والعام بالسّليقة من غير تكلف؛ وحينئذ لا يلزم على كلام الزّمخشري شيء مما ألزمه، وإنما غاية ما فيه: أن شأن المعنى الحامل على الاشتقاق أو المقتضي له الاطّراد، والدعاء هو الأمر الظاهر المطّرد؛ فكان اعتباره في الاشتقاق أولى وأظهر.
وللصلاة معان أخر استعملت فيها، لكنها ترجع إلى ما مرّ كالاستغفار، ومنه: «إني بعثت إلى أهل البقيع لأصلّي عليهم» (?) أي: أستغفر لهم، كما في رواية أخرى. والبركة، ومنه: «اللهم؛ صلّ على آل أبي أوفى» (?) .
والقراءة، ومنه: وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ، والرحمة، والمغفرة.
والحاصل: أن معناها يختلف بحسب حال المصلي، والمصلّى له، والمصلّى عليه، كما يأتي قريبا.