ثم لمّا تمّ هذا المقام.. انتقلنا لمقام من وصلت لنا تلك الهداية الباهرة على يديه، فابتدأناه بمخاطبته بالسلام عليه؛ إشارة إلى حضوره معنا بالمعنى، ثم بالسلام على خلفائه في الهداية والبلاغ، وهم الصالحون، ثم ختمنا ذلك بمقام التوحيد الذي به ينتظم شمل تينك المرتبتين؛ مرتبة الثناء على الله تعالى، والثناء على رسوله صلى الله عليه وسلم وخلفائه.
ثم لمّا تمّ ذلك انتقلنا إلى أعلى ما يستحقه صلى الله عليه وسلم علينا من الثناء، وهو الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم، فختمنا به، وجعلناه وصلة إلى استجابة دعائنا الذي أمرنا به عقبه، فتأمل ذلك وتدبره.. تعلم فرقان ما بينه وبين غيره مما أطيل به في الجواب عن ذلك، مع أنه لا يجدي شيئا، كما يعلمه من وقف عليه.
اختلف في المراد بقولهم: كيف نصلّي عليك؟ فقيل: هو سؤال عن صفتها لا عن جنسها؛ لأنهم فهموا أصلها، فسألوا عن الصفة اللائقة به صلى الله عليه وسلم ليستعملوها.
وقيل: عن معناها، وبأي لفظ تؤدّى؛ لأن لفظها المأمور به في قوله تعالى: صَلُّوا عَلَيْهِ يحتمل الرحمة والدعاء والتعظيم، فسألوا: بأيّ لفظ يؤدّى ذلك؟
والأرجح الأول، كما قاله الباجي وغيره، وجزم به القرطبي؛ لأن لفظ (كيف) ظاهر في الصفة، وأما الجنس فيسأل عنه ب (ما) .
والحامل لهم على ذلك أن السلام لمّا ورد في التشهد بلفظ مخصوص..
فهموا أن الصلاة أيضا تقع بلفظ مخصوص، ولم يفروا إلى القياس لتيسر الوقوف على النص، سيما والأذكار يراعى فيها اللفظ ما أمكن، فوقع الأمر كما فهموه؛ فإنه لم يقل لهم: كالسلام، بل علّمهم صفة أخرى.