السابقة ب «عبدك ونبيك ورسولك ... » إلخ؛ لبيان ما يقتضيه حق مقام النبوة من مزيد التأدب معه بذكر عظيم أوصافه.
والحاصل: أن شهوده صلى الله عليه وسلم كان يتفاوت، فتارة يؤثر مقام التواضع وهو الأكثر في الروايات، وتارة يؤثر بيان ما هو الواقع؛ مبالغة في نصح الأمة وإرشادهم إلى الأولى والأكمل، وقد يجب هذا كما في (السلام عليك أيها النبي) في التشهد؛ فإنه لا يجزىء غير هذا اللفظ، اقتصارا على الوارد لتطابق جميع روايات التشهد عليه، بخلاف روايات تعليم كيفية الصلاة؛ فإنها اختلفت كما مرّ.
وحكمة اتفاقها ثمّ واختلافها هنا: أنه هنا مقتض للتواضع، وهو مقابلة اسمه باسم أبيه إبراهيم صلى الله عليهما وسلم، فاثره في الأكثر كما مرّ، وفي التشهد لا مقتضى له، فاثر ما هو الأنفع للأمة، وهو إتيانهم بما هو الأليق بكماله صلى الله عليه وسلم.
واقتصر صلى الله عليه وسلم على اسمه محمد في حديث الترمذي الآتي في (الخامس والثلاثين من الأحوال التي تستحب فيها الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم) ، حيث علّم الأعمى أن يقول: «يا محمد؛ إني متوجه بك إلى ربي ... » إلخ (?) ؛ لأنه في مقام الدعاء والتوسل به صلى الله عليه وسلم، فكان التواضع أليق به، على أنه بيّن حق المقام بقوله قبل (يا محمد) : (نبيك نبي الرحمة) فتأمل ذلك، وأعرض عمّا سواه.
وحكمة قول عيسى في حديث الشفاعة: «اذهبوا إلى محمد» .. الإعلام بمقامه المحمود الذي اختص به ذلك اليوم، ولهذا يقال له صلى الله عليه وسلم لمّا يخر ساجدا لربه سبحانه وتعالى: «يا محمد؛ ارفع رأسك» (?) إشعارا بذلك، وبقبول شفاعته صلى الله عليه وسلم، ومن ثم قيل له عقبه: