تلقاها أهل الرَّحْمَة من عباد الله كَمَا يلقون البشير فِي الدُّنْيَا فيقبلون عَلَيْهِ ليسألوه فَيَقُول بَعضهم لبَعض: انْظُرُوا أَخَاكُم حَتَّى يستريح فَإِنَّهُ كَانَ فِي كرب فيقبلون عَلَيْهِ يسألونه مَا فعل فلَان مَا فعلت فُلَانَة هَل تزوجت فَإِذا سَأَلُوهُ عَن الرجل مَاتَ قبله قَالَ لَهُم: إِنَّه قد هلك فَيَقُولُونَ: إِنَّا لله وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُون ذهب بِهِ إِلَى أمه الهاوية فبئست الْأُم وبئست المربية فَيعرض عَلَيْهِم أَعْمَالهم فَإِذا رَأَوْا حسنا فرحوا وَاسْتَبْشَرُوا وَقَالُوا: هَذِه نِعْمَتك على عَبدك فأتمها وَإِن رأو سوءا قَالُوا: اللَّهُمَّ رَاجع عَبدك
قَالَ ابْن الْمُبَارك وَرَوَاهُ سَلام الطَّوِيل عَن ثَوْر فرفعه
وَأخرج ابْن الْمُبَارك عَن سعيد بن جُبَير أَنه قيل لَهُ: هَل يَأْتِي الْأَمْوَات أَخْبَار الْأَحْيَاء قَالَ: نعم مَا من أحد لَهُ حميم إِلَّا يَأْتِيهِ أَخْبَار أَقَاربه فَإِن كَانَ خيرا سرّ بِهِ وَفَرح بِهِ وَإِن كَانَ شرا ابتأس لذَلِك وحزن حَتَّى إِنَّهُم ليسألون عَن الرجل قد مَاتَ فَيُقَال: ألم يأتكم فَيَقُولُونَ: لقد خُولِفَ بِهِ إِلَى أمه الهاوية
وَأخرج أَبُو نعيم فِي الْحِلْية عَن وهب بن مُنَبّه رَضِي الله عَنهُ قَالَ: مر عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام بقرية قد مَاتَ أَهلهَا إنسا وجنها وهوامها وأنعامها وطيورها فَقَامَ ينظر إِلَيْهَا سَاعَة ثمَّ أقبل على أَصْحَابه فَقَالَ: مَاتَ هَؤُلَاءِ بِعَذَاب الله وَلَو مَاتُوا بِغَيْر ذَلِك مَاتُوا مُتَفَرّقين ثمَّ ناداهم: يَا أهل الْقرْيَة
فَأَجَابَهُ مُجيب لبيْك يَا روح الله
قَالَ: مَا كَانَ جنايتكم قَالُوا عبَادَة الطاغوت وَحب الدُّنْيَا
قَالَ: وَمَا كَانَت عبادتكم الطاغوت قَالَ: الطَّاعَة لأهل معاصي الله تَعَالَى
قَالَ: فَمَا كَانَ حبكم الدُّنْيَا قَالُوا: كحب الصبيّ لأمه
كُنَّا إِذا أَقبلت فرحنا وَإِذا أَدْبَرت حزنا مَعَ أمل بعيد وإدبار عَن طَاعَة الله وإقبال فِي سخط الله
قَالَ: وَكَيف كَانَ شَأْنكُمْ قَالُوا: بِنَا لَيْلَة فِي عَافِيَة وأصبحنا فِي الهاوية
فَقَالَ عِيسَى: وَمَا الهاوية قَالَ: سِجِّين
قَالَ: وَمَا سِجِّين قَالَ: جَمْرَة من نَار مثل أطباق الدُّنْيَا كلهَا دفنت أَرْوَاحنَا فِيهَا
قَالَ: فَمَا بَال أَصْحَابك لَا يَتَكَلَّمُونَ قَالَ: لَا يَسْتَطِيعُونَ أَن يتكلموا ملجمون بلجام من نَار
قَالَ: فَكيف كَلَّمتنِي أَنْت من بَينهم قَالَ: إِنِّي كنت فيهم وَلم أكن على حَالهم فَلَمَّا جَاءَ الْبلَاء عمني مَعَهم فَأَنا مُعَلّق بشعرة فِي الهاوية لَا أَدْرِي أكردس فِي النَّار أم أنجو
فَقَالَ عِيسَى: بِحَق أَقُول لكم لأكل خبز الشّعير وَشرب مَاء القراح وَالنَّوْم على الْمَزَابِل مَعَ الْكلاب كثير مَعَ عَافِيَة الدُّنْيَا وَالْآخِرَة