مِنْ تِلْقَاءِ وَجْهِ مُسْتَقْبِلِهَا حَقِيقَةً فِي بَعْضِ الْبِلَادِ خَطٌّ عَلَى زَوَايَا قَائِمَةٍ إلَى الْأُفُقِ مَارًّا عَلَى الْكَعْبَةِ، وَخَطٌّ آخَرُ يَقْطَعُهُ عَلَى زَاوِيَتَيْنِ قَائِمَتَيْنِ يَمْنَةً وَيَسْرَةً مِنَحٌ. قُلْت: فَهَذَا مَعْنَى التَّيَامُنِ وَالتَّيَاسُرِ

ـــــــــــــــــــــــــــــQالَّتِي فِي الْمِعْرَاجِ هِيَ الطَّرِيقَةُ الْأُولَى الَّتِي فِي الدُّرَرِ، إلَّا أَنَّهُ فِي الْمِعْرَاجِ جَعَلَ الْخَطَّ الثَّانِيَ مَارًّا عَلَى الْمُصَلِّي عَلَى مَا هُوَ الْمُتَبَادِرُ مِنْ عِبَارَتِهِ، وَفِي الدُّرَرِ جَعَلَهُ مَارًّا عَلَى الْكَعْبَةِ، وَتَصْوِيرُ الْكَيْفِيَّاتِ الثَّلَاثِ عَلَى التَّرْتِيبِ هَكَذَا: (قَوْلُهُ مِنَحٌ) فِيهِ أَنَّ عِبَارَةَ الْمِنَحِ هِيَ حَاصِلُ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْمِعْرَاجِ، وَلَيْسَ فِيهَا قَوْلُهُ مَارًّا عَلَى الْكَعْبَةِ، بَلْ هُوَ الْمَذْكُورُ فِي صُورَةِ الدُّرَرِ. وَيُمْكِنُ أَنْ يُرَادَ أَنَّهُ مَارٌّ عَلَيْهَا طُولًا لَا عَرْضًا فَيَكُونُ هُوَ الْخَطُّ الْخَارِجُ مِنْ جَبِينِ الْمُصَلِّي وَالْخَطُّ الْآخَرُ الَّذِي يَقْطَعُهُ هُوَ الْمَارُّ عَرْضًا عَلَى الْمُصَلِّي أَوْ عَلَى الْكَعْبَةِ فَيَصْدُقُ بِمَا صَوَّرْنَاهُ أَوَّلًا وَثَانِيًا ثُمَّ إنَّ اقْتِصَارَهُ عَلَى بَعْضِ عِبَارَةِ الْمِنَحِ أَدَّى إلَى قَصْرِ بَيَانِهِ عَلَى الْمُسَامَتَةِ تَحْقِيقًا وَهِيَ اسْتِقْبَالُ الْعَيْنِ دُونَ الْمُسَامَتَةِ تَقْدِيرًا، وَهِيَ اسْتِقْبَالُ الْجِهَةِ مَعَ أَنَّ الْمَقْصُودَ الثَّانِيَةُ، فَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَحْذِفَ قَوْلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ وَجْهِ مُسْتَقْبِلِهَا حَقِيقَةً فِي بَعْضِ الْبِلَادِ (قَوْلُهُ قُلْت إلَخْ) قَدْ عَلِمْت أَنَّهُ لَوْ فُرِضَ شَخْصٌ مُسْتَقْبِلًا مِنْ بَلَدِهِ لِعَيْنِ الْكَعْبَةِ حَقِيقَةً، بِأَنْ يُفْرَضَ الْخَطُّ الْخَارِجُ مِنْ جَبِينِهِ وَاقِعًا عَلَى عَيْنِ الْكَعْبَةِ فَهَذَا مُسَامِتٌ لَهَا تَحْقِيقًا، وَلَوْ أَنَّهُ انْتَقَلَ إلَى جِهَةِ يَمِينِهِ أَوْ شِمَالِهِ بِفَرَاسِخَ كَثِيرَةٍ وَفَرَضْنَا خَطًّا مَارًّا عَلَى الْكَعْبَةِ مِنْ الْمَشْرِقِ إلَى الْمَغْرِبِ وَكَانَ الْخَطُّ الْخَارِجُ مِنْ جَبِينِ الْمُصَلِّي يَصِلُ عَلَى اسْتِقَامَةٍ إلَى هَذَا الْخَطِّ الْمَارِّ عَلَى الْكَعْبَةِ فَإِنَّهُ بِهَذَا الِانْتِقَالِ لَا تَزُولُ الْمُقَابَلَةُ بِالْكُلِّيَّةِ لِأَنَّ وَجْهَ الْإِنْسَانِ مُقَوَّسٌ، فَمَهْمَا تَأَخَّرَ يَمِينًا أَوْ يَسَارًا عَنْ عَيْنِ الْكَعْبَةِ يَبْقَى شَيْءٌ مِنْ جَوَانِبِ وَجْهِهِ مُقَابِلًا لَهَا، وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَا عِنْدَ زِيَادَةِ الْبُعْدِ؛ أَمَّا عِنْدَ الْقُرْبِ فَلَا يُعْتَبَرُ كَمَا مَرَّ؛ فَقَوْلُ الشَّارِحِ هَذَا مَعْنَى التَّيَامُنِ وَالتَّيَاسُرِ: أَيْ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ مِنْ قَوْلِهِ بِأَنْ يَبْقَى شَيْءٌ مِنْ سَطْحِ الْوَجْهِ إلَخْ مَعَ فَرْضِ الْخَطِّ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي قَرَّرْنَاهُ هُوَ الْمُرَادُ بِمَا فِي الدُّرَرِ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ مِنْ التَّيَامُنِ وَالتَّيَاسُرِ: أَيْ لَيْسَ الْمُرَادُ مِنْهُ أَنْ يُجْعَلَ عَنْ يَمِينِهِ أَوْ يَسَارِهِ، إذْ لَا شَكَّ حِينَئِذٍ فِي خُرُوجِهِ عَنْ الْجِهَةِ بِالْكُلِّيَّةِ، بَلْ الْمَفْهُومُ مِمَّا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْمِعْرَاجِ وَالدُّرَرِ مِنْ التَّقْيِيدِ بِحُصُولِ زَاوِيَتَيْنِ قَائِمَتَيْنِ عِنْدَ انْتِقَالِ الْمُسْتَقْبِلِ لِعَيْنِ الْكَعْبَةِ يَمِينًا أَوْ يَسَارًا أَنَّهُ لَا يَصِحُّ لَوْ كَانَتْ إحْدَاهُمَا حَادَّةً وَالْأُخْرَى مُنْفَرِجَةً بِهَذِهِ الصُّورَةِ: وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالتَّيَامُنِ وَالتَّيَاسُرِ الِانْتِقَالُ عَنْ عَيْنِ الْكَعْبَةِ إلَى جِهَةِ الْيَمِينِ أَوْ الْيَسَارِ لَا الِانْحِرَافُ، لَكِنْ وَقَعَ فِي كَلَامِهِمْ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الِانْحِرَافَ لَا يَضُرُّ؛ فَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ: وَلَا بَأْسَ بِالِانْحِرَافِ انْحِرَافًا لَا تَزُولُ بِهِ الْمُقَابَلَةُ بِالْكُلِّيَّةِ، بِأَنْ يَبْقَى شَيْءٌ مِنْ سَطْحِ الْوَجْهِ مُسَامِتًا لِلْكَعْبَةِ. اهـ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015