وَبُخَارُ نَجِسٍ، وَغُبَارُ سِرْقِينٍ، وَمَحَلُّ كِلَابٍ، وَانْتِضَاحُ غُسَالَةٍ لَا تَظْهَرُ مَوَاقِعُ قَطْرِهَا فِي الْإِنَاءِ عَفْوٌ
. (وَمَاءٌ) بِالْمَدِّ (وَرَدَ) أَيْ: جَرَى (عَلَى نَجَسٍ نَجِسٌ) إذَا وَرَدَ كُلُّهُ أَوْ أَكْثَرُهُ وَلَوْ أَقَلُّهُ،
ـــــــــــــــــــــــــــــQالنَّجَاسَةُ مَا لَمْ يَرَ عَيْنَهَا لَوْ أَصَابَهُ بِلَا قَصْدٍ وَكَانَ مِمَّنْ يَذْهَبُ وَيَجِيءُ، وَإِلَّا فَلَا ضَرُورَةَ. وَقَدْ حَكَى فِي الْقُنْيَةِ أَيْضًا قَوْلَيْنِ فِيمَا لَوْ ابْتَلَّتْ قَدَمَاهُ مِمَّا رُشَّ فِي الْأَسْوَاقِ الْغَالِبَةِ النَّجَاسَةِ، ثُمَّ نَقَلَ أَنَّهُ لَوْ أَصَابَ ثَوْبَهُ طِينُ السُّوقِ أَوْ السِّكَّةِ ثُمَّ وَقَعَ الثَّوْبُ فِي الْمَاءِ تَنَجَّسَ. (قَوْلُهُ: وَبُخَارُ نَجَسٍ) فِي الْفَتْحِ مَرَّتْ الرِّيحُ بِالْعَذِرَاتِ وَأَصَابَ الثَّوْبَ، إنْ وُجِدَتْ رَائِحَتُهَا تَنَجَّسَ، لَكِنْ نَقَلَ فِي الْحِلْيَةِ أَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهُ لَا يَنْجُسُ؛ وَمَا يُصِيبُ الثَّوْبَ مِنْ بِخَارَّاتِ النَّجَاسَةِ، قِيلَ يُنَجِّسُهُ، وَقِيلَ لَا وَهُوَ الصَّحِيحُ. وَفِي الْحِلْيَةِ: اسْتَنْجَى بِالْمَاءِ وَخَرَجَ مِنْهُ رِيحٌ لَا يَنْجُسُ عِنْدَ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ وَهُوَ الْأَصَحُّ، وَكَذَا إذَا كَانَ سَرَاوِيلُهُ مُبْتَلًّا.
وَفِي الْخَانِيَّةِ مَاءُ الطَّابَقِ نَجِسٌ قِيَاسًا لَا اسْتِحْسَانًا. وَصُورَتُهُ: إذَا أُحْرِقَتْ الْعَذِرَةُ فِي بَيْتٍ فَأَصَابَ مَاءُ الطَّابَقِ ثَوْبَ إنْسَانٍ لَا يُفْسِدُهُ اسْتِحْسَانًا مَا لَمْ يَظْهَرْ أَثَرُ النَّجَاسَةِ فِيهِ، وَكَذَا الْإِصْطَبْلُ إذَا كَانَ حَارًّا، وَعَلَى كُوَّتِهِ طَابَقٌ أَوْ كَانَ فِيهِ كُوزٌ مُعَلَّقٌ فِيهِ مَاءٌ فَتَرَشَّحَ،، وَكَذَا الْحَمَّامُ لَوْ فِيهَا نَجَاسَاتٌ فَعَرِقَ حِيطَانُهَا وَكُوَّاتُهَا وَتَقَاطَرَ. قَالَ فِي الْحِلْيَةِ: وَالظَّاهِرُ الْعَمَلُ بِالِاسْتِحْسَانِ، وَلِذَا اقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْخُلَاصَةِ، وَالطَّابَقُ: الْغِطَاءُ الْعَظِيمُ مِنْ الزَّجَّاجِ أَوْ اللَّبِنِ. اهـ. مَطْلَبٌ: الْعَرَقِيُّ الَّذِي يُسْتَقْطَرُ مِنْ دُرْدِيِّ الْخَمْرِ نَجِسٌ حَرَامٌ، بِخِلَافِ النُّوشَادِرِ وَقَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ وَجْهَ الِاسْتِحْسَانِ فِيهِ الضَّرُورَةُ لِتَعَذُّرِ التَّحَرُّزِ، وَعَلَيْهِ فَلَوْ اُسْتُقْطِرَتْ النَّجَاسَةُ فَمَائِيَّتُهَا نَجِسَةٌ لِانْتِفَاءِ الضَّرُورَةِ فَبَقِيَ الْقِيَاسُ بِلَا مُعَارِضٍ، وَبِهِ يُعْلَمُ أَنَّ مَا يُسْتَقْطَرُ مِنْ دُرْدِيِّ الْخَمْرِ وَهُوَ الْمُسَمَّى بِالْعِرْقِيِّ فِي وِلَايَةِ الرُّومِ نَجِسٌ حَرَامٌ كَسَائِرِ أَصْنَافِ الْخَمْرِ اهـ.
أَقُولُ: وَأَمَّا النُّوشَادِرُ الْمُسْتَجْمَعُ مِنْ دُخَانِ النَّجَاسَةِ فَهُوَ طَاهِرٌ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا مَرَّ، وَأَوْضَحَهُ سَيِّدِي عَبْدُ الْغَنِيِّ فِي رِسَالَةٍ سَمَّاهَا (إتْحَافَ مَنْ بَادَرَ إلَى حُكْمِ النُّوشَادِرِ) . (قَوْلُهُ: وَغُبَارُ سِرْقِينٍ) بِكَسْرِ السِّينِ: أَيْ: زِبْلٍ وَيُقَالُ سِرْجِينٌ كَمَا فِي الْقَامُوسِ. قَالَ فِي الْقُنْيَةِ رَاقِمًا: لَا عِبْرَةَ لِلْغُبَارِ النَّجِسِ إذَا وَقَعَ فِي الْمَاءِ إنَّمَا الْعِبْرَةُ لِلتُّرَابِ اهـ وَنَظَمَهُ الْمُصَنِّفُ فِي أُرْجُوزَتِهِ وَعَلَّلَهُ فِي شَرْحِهَا بِالضَّرُورَةِ. (قَوْلُهُ: وَمَحَلُّ كِلَابٍ) فِي الْمُنْيَةِ مَشَى كَلْبٌ عَلَى الطِّينِ فَوَضَعَ رَجُلٌ قَدَمَهُ عَلَى ذَلِكَ الطِّينِ تَنَجَّسَ، وَكَذَا إذَا مَشَى عَلَى ثَلْجٍ رَطْبٍ وَلَوْ جَامِدًا فَلَا. اهـ. قَالَ فِي شَرْحِهَا: وَهَذَا كُلُّهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْكَلْبَ نَجِسُ الْعَيْنِ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْأَصَحَّ خِلَافُهُ ذَكَرَهُ ابْنُ الْهُمَامِ اهـ، وَمِثْلُهُ فِي الْحِلْيَةِ.
(قَوْلُهُ: وَانْتِضَاحُ غُسَالَةٍ إلَخْ) ذَكَرَ الْمَسْأَلَةَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ الصَّغِيرِ عَنْ الْخَانِيَّةِ، وَقَدْ رَأَيْتهَا فِي الْخَانِيَّةِ ذَكَرَهَا فِي بَحْثِ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ، لَكِنَّ غُسَالَةَ النَّجَاسَةِ كَغُسَالَةِ الْحَدَثِ بِنَاءً عَلَى الْقَوْلِ بِنَجَاسَةِ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ، وَيَدُلُّ لَهَا مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْقُهُسْتَانِيِّ عَنْ التُّمُرْتَاشِيِّ. وَفِي الْفَتْحِ: وَمَا تَرَشَّشَ عَلَى الْغَاسِلِ مِنْ غُسَالَةِ الْمَيِّتِ مِمَّا لَا يُمْكِنُهُ الِامْتِنَاعُ عَنْهُ مَا دَامَ فِي عِلَاجِهِ لَا يُنَجِّسُهُ لِعُمُومِ الْبَلْوَى، بِخِلَافِ الْغَسْلَاتِ الثَّلَاثِ إذَا اسْتَنْقَعَتْ فِي مَوْضِعٍ فَأَصَابَتْ شَيْئًا نَجَّسَتْهُ اهـ أَيْ: بِنَاءً عَلَى مَا عَلَيْهِ الْعَامَّةُ مِنْ أَنَّ نَجَاسَةَ الْمَيِّتِ نَجَاسَةُ خَبَثٍ لَا حَدَثٍ كَمَا حَرَّرْنَاهُ فِي أَوَّلِ فَصْلِ الْبِئْرِ، وَاحْتُرِزَ بِالثَّلَاثِ عَنْ الْغُسَالَةِ فِي الْمَرَّةِ الرَّابِعَةِ فَإِنَّهَا طَاهِرَةٌ
(قَوْلُهُ: وَمَاءٌ) مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ قَوْلُهُ: نَجِسٌ بِالْكَسْرِ وَنَجَسٌ الْأَوَّلُ بِالْفَتْحِ. قَالَ الْقُهُسْتَانِيُّ: وَيَجُوزُ فِيهِ الْكَسْرُ. (قَوْلُهُ: أَيْ: جَرَى) فُسِّرَ الْوُرُودُ بِهِ لِيَتَأَتَّى لَهُ التَّفْصِيلُ وَالْخِلَافُ اللَّذَانِ ذَكَرَهُمَا، وَإِلَّا فَالْوُرُودُ أَعَمُّ؛ لِأَنَّهُ يَشْمَلُ مَا إذَا جَرَى عَلَيْهَا وَهِيَ عَلَى أَرْضٍ أَوْ سَطْحٍ وَمَا إذَا صُبَّ فَوْقَهَا فِي آنِيَةٍ بِدُونِ جَرَيَانٍ. وَأَيْضًا فَإِنَّ الْجَرَيَانَ أَبْلَغُ مِنْ الصَّبِّ الْمَذْكُورِ فَصَرَّحَ بِهِ مَعَ عِلْمِ حُكْمِ الصَّبِّ مِنْهُ بِالْأَوْلَى دَفْعًا لِتَوَهُّمِ عَدَمِ إرَادَتِهِ فَافْهَمْ. نَعَمْ كَانَ الْأَوْلَى إبْقَاءَ الْمَتْنِ عَلَى ظَاهِرِهِ؛ لِأَنَّهُ إشَارَةٌ إلَى خِلَافِ الشَّافِعِيِّ حَيْثُ حَكَمَ بِطَهَارَةِ الْوَارِدِ دُونَ الْمَوْرُودِ. وَأَيْضًا فَإِنَّ الْجَارِيَ فِيهِ تَفْصِيلٌ