لَا بَأْسَ بِالْخَبْزِ فِيهِ (كَطِينٍ تَنَجَّسَ فَجُعِلَ مِنْهُ كُوزٌ بَعْدَ جَعْلِهِ عَلَى النَّارِ) يَطْهُرُ إنْ لَمْ يَظْهَرْ فِيهِ أَثَرُ النَّجَسِ بَعْدَ الطَّبْخِ ذَكَرَهُ الْحَلَبِيُّ.
(وَعَفَا) الشَّارِعُ (عَنْ قَدْرِ دِرْهَمٍ) وَإِنْ كُرِهَ تَحْرِيمًا، فَيَجِبُ غَسْلُهُ، وَمَا دُونَهُ تَنْزِيهًا فَيُسَنُّ، وَفَوْقَهُ مُبْطِلٌ
ـــــــــــــــــــــــــــــQذَكَرَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ الْعَلَّامَةُ قَاسِمٌ فِي فَتَاوَاهُ، وَكَذَا مَا سَيَأْتِي مَتْنًا وَشَرَحَهَا مِنْ مَسَائِلِ التَّطْهِيرِ بِانْقِلَابِ الْعَيْنِ، وَذَكَرَ الْأَدِلَّةَ عَلَى ذَلِكَ بِمَا لَا مَزِيدَ عَلَيْهِ، وَحَقَّقَ وَدَقَّقَ كَمَا هُوَ دَأْبُهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، فَلْيُرَاجَعْ.
ثُمَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ قَدْ فَرَّعُوهَا عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ بِالطَّهَارَةِ بِانْقِلَابِ الْعَيْنِ الَّذِي عَلَيْهِ الْفَتْوَى وَاخْتَارَهُ أَكْثَرُ الْمَشَايِخِ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ كَمَا فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ وَالْفَتْحِ وَغَيْرِهِمَا. وَعِبَارَةُ الْمُجْتَبَى: جَعْلُ الدُّهْنِ النَّجِسِ فِي صَابُونٍ يُفْتَى بِطَهَارَتِهِ؛ لِأَنَّهُ تَغَيَّرَ وَالتَّغَيُّرُ يُطَهِّرُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَيُفْتَى بِهِ لِلْبَلْوَى. اهـ. وَظَاهِرُهُ أَنَّ دُهْنَ الْمَيْتَةِ كَذَلِكَ لِتَعْبِيرِهِ بِالنَّجِسِ دُونَ الْمُتَنَجِّسِ إلَّا أَنْ يُقَالَ هُوَ خَاصٌّ بِالنَّجِسِ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ فِي الصَّابُونِ وَضْعُ الزَّيْتِ دُونَ بَقِيَّةِ الْأَدْهَانِ تَأَمَّلْ، ثُمَّ رَأَيْت فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ مَا يُؤَيِّدُ الْأَوَّلَ حَيْثُ قَالَ: وَعَلَيْهِ يَتَفَرَّعُ مَا لَوْ وَقَعَ إنْسَانٌ أَوْ كَلْبٌ فِي قِدْرِ الصَّابُونِ فَصَارَ صَابُونًا يَكُونُ طَاهِرًا لِتَبَدُّلِ الْحَقِيقَةِ. اهـ.
ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْعِلَّةَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ هِيَ التَّغَيُّرُ وَانْقِلَابُ الْحَقِيقَةِ وَأَنَّهُ يُفْتَى بِهِ لِلْبَلْوَى كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ، وَمُقْتَضَاهُ عَدَمُ اخْتِصَاصِ ذَلِكَ الْحُكْمِ بِالصَّابُونِ، فَيَدْخُلُ فِيهِ كُلُّ مَا كَانَ فِيهِ تَغَيُّرٌ وَانْقِلَابُ حَقِيقَةٍ وَكَانَ فِيهِ بَلْوَى عَامَّةٌ، فَيُقَالُ: كَذَلِكَ فِي الدِّبْسِ الْمَطْبُوخِ إذَا كَانَ زَبِيبُهُ مُتَنَجِّسًا وَلَا سِيَّمَا أَنَّ الْفَأْرَ يَدْخُلُهُ فَيَبُولُ وَيَبْعَرُ فِيهِ وَقَدْ يَمُوتُ فِيهِ، وَقَدْ بَحَثَ كَذَلِكَ بَعْضُ شُيُوخِ مَشَايِخِنَا فَقَالَ: وَعَلَى هَذَا إذَا تَنَجَّسَ السِّمْسِمُ ثُمَّ صَارَ طَحِينَةً يَطْهُرُ، خُصُوصًا وَقَدْ عَمَّتْ بِهِ الْبَلْوَى وَقَاسَهُ عَلَى مَا إذَا وَقَعَ عُصْفُورٌ فِي بِئْرٍ حَتَّى صَارَ طِينًا لَا يَلْزَمُ إخْرَاجُهُ لِاسْتِحَالَتِهِ.
قُلْت: لَكِنْ قَدْ يُقَالُ: إنَّ الدِّبْسَ لَيْسَ فِيهِ انْقِلَابُ حَقِيقَةٍ؛ لِأَنَّهُ عَصِيرٌ جَمَدَ بِالطَّبْخِ؛ وَكَذَا السِّمْسِمُ إذَا دُرِسَ وَاخْتَلَطَ دُهْنُهُ بِأَجْزَائِهِ فَفِيهِ تَغَيُّرُ وَصْفٍ فَقَطْ؛ كَلَبَنٍ صَارَ جُبْنًا، وَبُرٍّ صَارَ طَحِينًا، وَطَحِينٍ صَارَ خُبْزًا؛ بِخِلَافِ نَحْوِ خَمْرٍ صَارَ خَلًّا وَحِمَارٍ وَقَعَ فِي مَمْلَحَةٍ فَصَارَ مِلْحًا، وَكَذَا دُرْدِيُّ خَمْرٍ صَارَ طِرْطِيرًا وَعَذِرَةٌ صَارَتْ رَمَادًا أَوْ حَمْأَةً، فَإِنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ انْقِلَابُ حَقِيقَةٍ إلَى حَقِيقَةٍ أُخْرَى لَا مُجَرَّدُ انْقِلَابِ وَصْفٍ كَمَا سَيَأْتِي - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ -. (قَوْلُهُ: رُشَّ بِمَاءٍ نَجِسٍ) أَيْ: أَوْ بَالَ فِيهِ صَبِيٌّ أَوْ مُسِحَ بِخِرْقَةٍ مُبْتَلَّةٍ نَجِسَةٍ حِلْيَةٌ. (قَوْلُهُ: لَا بَأْسَ بِالْخَبْزِ فِيهِ) أَيْ: بَعْدَ ذَهَابِ الْبَلَّةِ النَّجِسَةِ بِالنَّارِ وَإِلَّا تَنَجَّسَ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ. (قَوْلُهُ: ذَكَرَهُ الْحَلَبِيُّ) وَعَلَّلَهُ بِقَوْلِهِ لِاضْمِحْلَالِ النَّجَاسَةِ بِالنَّارِ وَزَوَالِ أَثَرِهَا
(قَوْلُهُ: وَعَفَا الشَّارِعُ) فِيهِ تَغْيِيرٌ لِلَفْظِ الْمَتْنِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ مَبْنِيًّا لِلْمَجْهُولِ، لَكِنَّهُ قَصَدَ التَّنْبِيهَ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ مَرْوِيٌّ لَا مَحْضُ قِيَاسٍ فَقَطْ.
قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ: وَلَنَا أَنَّ الْقَلِيلَ عَفْوٌ إجْمَاعًا، إذْ الِاسْتِنْجَاءُ بِالْحَجَرِ كَافٍ بِالْإِجْمَاعِ وَهُوَ لَا يَسْتَأْصِلُ النَّجَاسَةَ، وَالتَّقْدِيرُ بِالدِّرْهَمِ مَرْوِيٌّ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَهُوَ مِمَّا لَا يُعْرَفُ بِالرَّأْيِ فَيُحْمَلُ عَلَى السَّمَاعِ. اهـ.
وَفِي الْحِلْيَةِ: التَّقْدِيرُ بِالدِّرْهَمِ وَقَعَ عَلَى سَبِيلِ الْكِنَايَةِ عَنْ مَوْضِعِ خُرُوجِ الْحَدَثِ مِنْ الدُّبُرِ كَمَا أَفَادَهُ إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيّ بِقَوْلِهِ: إنَّهُمْ اسْتَكْرَهُوا ذِكْرَ الْمَقَاعِدِ فِي مَجَالِسِهِمْ فَكَنُّوا عَنْهُ بِالدِّرْهَمِ، وَيُعَضِّدُهُ مَا ذَكَرَهُ الْمَشَايِخُ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ الْقَلِيلِ مِنْ النَّجَاسَةِ فِي الثَّوْبِ فَقَالَ: إذَا كَانَ مِثْلَ ظُفْرِي هَذَا لَا يَمْنَعُ جَوَازَ الصَّلَاةِ، قَالُوا وَظُفْرُهُ كَانَ قَرِيبًا مِنْ كَفِّنَا. (قَوْلُهُ: وَإِنْ كُرِهَ تَحْرِيمًا) أَشَارَ إلَى أَنَّ الْعَفْوَ عَنْهُ بِالنِّسْبَةِ إلَى صِحَّةِ الصَّلَاةِ بِهِ، فَلَا يُنَافِي الْإِثْمَ كَمَا