وَقَالَ نَجْمُ الْأَئِمَّةِ: الْمُخْتَارُ أَنَّهُ عَلَيْهِ السُّكْنَى فِي الْحَضَانَةِ، وَكَذَا إنْ احْتَاجَ الصَّغِيرُ إلَى خَادِمٍ يُلْزَمُ الْأَبُ بِهِ. وَفِي كُتُبِ الشَّافِعِيَّةِ: مُؤْنَةُ الْحَضَانَةِ فِي مَالِ الْمَحْضُونِ لَوْ لَهُ وَإِلَّا فَعَلَى مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ. قَالَ شَيْخُنَا: وَقَوَاعِدُنَا تَقْتَضِيهِ فَيُفْتَى بِهِ ثُمَّ حَرَّرَ أَنَّ الْحَضَانَةَ كَالرَّضَاعِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
(ثُمَّ) أَيْ بَعْدَ الْأُمِّ بِأَنْ مَاتَتْ، أَوْ لَمْ تَقْبَلْ أَوْ أَسْقَطَتْ حَقَّهَا
ـــــــــــــــــــــــــــــQمَطْلَبٌ فِي لُزُوم أُجْرَةِ مَسْكَنِ الْحَضَانَةِ.
(قَوْلُهُ: وَقَالَ نَجْمُ الْأَئِمَّةِ: الْمُخْتَارُ أَنَّ عَلَيْهِ السُّكْنَى) فِي نَفَقَاتِ الْبَحْرِ عَنْ التَّفَارِيقِ: لَا تَجِبُ فِي الْحَضَانَةِ أُجْرَةُ الْمَسْكَنِ. وَقَالَ آخَرُونَ: تَجِبُ إنْ كَانَ لِلصَّبِيِّ مَالٌ وَإِلَّا فَعَلَى مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ. اهـ. وَفِي النَّهْرِ: وَيَنْبَغِي تَرْجِيحُ عَدَمِ الْوُجُوبِ لِأَنَّ وُجُوبَ الْأَجْرِ لَا يَسْتَلْزِمُ وُجُوبَ الْمَسْكَنِ بِخِلَافِ النَّفَقَةِ. اهـ.
قُلْت: صَاحِبُ النَّهْرِ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ التَّرْجِيحِ، فَلَا يُعَارِضُ تَرْجِيحُهُ تَرْجِيحَ نَجْمِ الْأَئِمَّةِ وَلَا سِيَّمَا مَعَ ضَعْفِ تَعْلِيلِهِ، فَإِنَّ الْقَوْلَ بِوُجُوبِ أُجْرَةِ الْمَسْكَنِ لَيْسَ مَبْنِيًّا عَلَى وُجُوبِ الْأَجْرِ عَلَى الْحَضَانَةِ بَلْ عَلَى وُجُوبِ نَفَقَةِ الْوَلَدِ؛ فَقَدْ تَكُونُ الْحَاضِنَةُ لَا مَسْكَنَ لَهَا أَصْلًا بَلْ تَسْكُنُ عِنْدَ غَيْرِهَا فَكَيْفَ يَلْزَمُهَا أُجْرَةُ مَسْكَنٍ لِتَحْضُنَ فِيهِ الْوَلَدَ، بَلْ الْوَجْهُ لُزُومُهُ عَلَى مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ، فَإِنَّ الْمَسْكَنَ مِنْ النَّفَقَةِ. وَنَقَلَ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ عَنْ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ اُخْتُلِفَ فِي لُزُومِهِ وَالْأَظْهَرُ اللُّزُومُ كَمَا فِي بَعْضِ الْمُعْتَبَرَاتِ. قَالَ الرَّمْلِيُّ: وَهَذَا يُعْلَمُ مِنْ قَوْلِهِمْ: إذَا احْتَاجَ الصَّغِيرُ لِخَادِمٍ يَلْزَمُ الْأَبَ، فَإِنَّ احْتِيَاجَهُ إلَى الْمَسْكَنِ مُقَرَّرٌ اهـ.
قُلْت: وَاعْتَمَدَهُ ابْنُ الشِّحْنَةِ مُخَالِفًا لِمَا اخْتَارَهُ ابْنُ وَهْبَانَ وَشَيْخُهُ الطَّرَسُوسِيُّ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْأَوْجَهَ لُزُومُهُ لِمَا قُلْنَا، لَكِنَّ هَذَا إنَّمَا يَظْهَرُ لَوْ لَمْ يَكُنْ لَهَا مَسْكَنٌ، أَمَّا لَوْ كَانَ لَهَا مَسْكَنٌ يُمْكِنُهَا أَنْ تَحْضُنَ فِيهِ الْوَلَدَ وَيَسْكُنَ تَبَعًا لَهَا فَلَا لِعَدَمِ احْتِيَاجِهِ إلَيْهِ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ تَوْفِيقًا بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ، وَيُشِيرُ إلَيْهِ قَوْلُ أَبِي حَفْصٍ وَلَيْسَ لَهَا مَسْكَنٌ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا هُوَ الْأَرْفَقُ لِلْجَانِبَيْنِ فَلْيَكُنْ عَلَيْهِ الْعَمَلُ، وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: وَكَذَا إلَخْ) قَدَّمْنَاهُ عَنْ فَتَاوَى قَارِئِ الْهِدَايَةِ. (قَوْلُهُ: قَالَ شَيْخُنَا) يَعْنِي الْخَيْرَ الرَّمْلِيَّ فِي حَوَاشِيهِ عَلَى الْبَحْرِ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: وَقَوَاعِدُنَا تَقْتَضِيهِ) .
قُلْت: مَا قَدَّمْنَاهُ قَرِيبًا عَنْ خَطِّ شَيْخِ مَشَايِخِنَا السَّائِحَانِيِّ صَرِيحٌ فِي ذَلِكَ، فَقَدْ وَافَقَ بَحْثُهُ الْمَنْقُولَ. (قَوْلُهُ: ثُمَّ حَرَّرَ) أَيْ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ أَنَّ الْحَضَانَةَ كَالرَّضَاعِ أَيْ فِي أَنَّهَا لَا أَجْرَ لِلْأُمِّ فِيهَا لَوْ مَنْكُوحَةً، أَوْ مُعْتَدَّةً، وَإِلَّا فَلَهَا الْأُجْرَةُ مِنْ مَالِ الصَّغِيرِ إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ، وَإِلَّا فَمِنْ مَالِ أَبِيهِ، أَوْ مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ، هَذَا خُلَاصَةُ مَا حَطَّ عَلَيْهِ رَأْيُهُ بَعْدَ كَلَامٍ طَوِيلٍ، وَقَدْ عَلِمْت تَأْيِيدَهُ بِمَا نَقَلْنَاهُ عَنْ خَطِّ السَّائِحَانِيِّ.
قُلْت: وَهَذَا كُلُّهُ حَيْثُ لَمْ يُوجَدْ مُتَبَرِّعٌ بِالْحَضَانَةِ، فَإِنْ وُجِدَ، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ أَجْنَبِيًّا عَنْ الصَّغِيرِ، أَوْ لَا. وَعَلَى كُلٍّ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ الْأَبُ مُعْسِرًا أَوْ لَا، وَعَلَى كُلٍّ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ لِلصَّغِيرِ مَالٌ، أَوْ لَا، فَإِنْ كَانَ أَجْنَبِيًّا يُدْفَعُ لِلْأَهْلِ لِلْحَضَانَةِ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ وَلَوْ مِنْ مَالِ الصَّغِيرِ؛ وَإِنْ كَانَ الْمُتَبَرِّعُ غَيْرَ أَجْنَبِيٍّ، فَإِنْ كَانَ الْأَبُ مُعْسِرًا وَالصَّغِيرُ لَهُ مَالٌ، أَوْ لَا يُقَالُ لِلْأُمِّ: إمَّا أَنْ تُمْسِكِيهِ مَجَّانًا، أَوْ تَدْفَعِيهِ لِلْعَمَّةِ - مَثَلًا - الْمُتَبَرِّعَةِ صَوْنًا لِمَالِهِ لَوْ لَهُ مَالٌ، وَإِنْ كَانَ الْأَبُ مُوسِرًا وَالصَّغِيرُ لَهُ مَالٌ فَكَذَلِكَ، لِأَنَّ الْأُجْرَةَ حِينَئِذٍ عَلَى الصَّغِيرِ، وَإِنْ كَانَ الْأَبُ مُوسِرًا وَلَا مَالَ لِلصَّغِيرِ فَالْأُمُّ مُقَدَّمَةٌ وَإِنْ طَلَبَتْ الْأُجْرَةَ نَظَرًا لِلصَّغِيرِ بِلَا ضَرَرٍ لَهُ فِي مَالِهِ، هَذَا حَاصِلُ مَا تَحَرَّرَ لِلْعَبْدِ الضَّعِيفِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْحَضَانَةَ كَالرَّضَاعِ، وَتَمَامُ ذَلِكَ فِي رِسَالَتِنَا " الْإِبَانَةُ عَنْ أَخْذِ الْأُجْرَةِ عَلَى الْحَضَانَةِ ".
(قَوْلُهُ: أَوْ لَمْ تَقْبَلْ، أَوْ أَسْقَطَتْ حَقَّهَا) مَبْنِيٌّ عَلَى عَدَمِ الْجَبْرِ