بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ، أَوْ يَصْفَحَ لِيَصْفَحَ عَنْهُ عَالِمُ الْإِسْرَارِ وَالْإِضْمَارِ، وَلَعَمْرِي إنَّ السَّلَامَةَ مِنْ هَذَا الْخَطَرِ لَأَمْرٌ يَعِزُّ عَلَى الْبَشَرِ.

وَلَا غَرْوَ فَإِنَّ النِّسْيَانَ مِنْ خَصَائِصِ الْإِنْسَانِيَّةِ، وَالْخَطَأَ وَالزَّلَلَ مِنْ شَعَائِرِ الْآدَمِيَّةِ،

ـــــــــــــــــــــــــــــQبِالتَّلَفِ، وَكَذَا قَالَ سَيِّدِي عَبْدُ الْغَنِيِّ النَّابْلُسِيُّ فِي شَرْحِهِ عَلَيْهِ، وَتَلَافِي مَصْدَرٌ مُضَافٌ إلَى الْمُتَكَلِّمِ، وَوَقَعَ فِي كَلَامِ الشُّعَرَاءِ كَثِيرًا، وَمِنْهُ قَوْلُ ابْنِ عُنَيْنٍ يُخَاطِبُ بَعْضَ الْمُلُوكِ وَكَانَ مَرِيضًا:

اُنْظُرْ إلَيَّ بِعَيْنِ مَوْلًى لَمْ يَزَلْ ... يُولِي النَّدَى وَتَلَافَ قَبْلَ تَلَافِ

أَنَا كَاَلَّذِي أَحْتَاجُ مَا يَحْتَاجُهُ ... فَاغْنَمْ دُعَائِي وَالثَّنَاءَ الْوَافِي

فَجَاءَهُ الْمَلِكُ بِأَلْفِ دِينَارٍ وَقَالَ لَهُ: أَنْتَ الَّذِي، وَهَذِهِ الصِّلَةُ، وَأَنَا الْعَائِدُ (قَوْلُهُ: بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ يَتَلَافَى وَالْإِضَافَةُ بَيَانِيَّةٌ: أَيْ إذَا رَأَى فِيهِ عَيْبًا يَتَدَارَكُهُ بِإِمْكَانِهِ، بِأَنْ يَحْمِلَهُ عَلَى مَحْمَلٍ حَسَنٍ حَيْثُ أَمْكَنَ، أَوْ يُصْلِحَهُ بِتَغْيِيرِ لَفْظِهِ إنْ لَمْ يُمْكِنْ تَأْوِيلُهُ (قَوْلُهُ: أَوْ يَصْغَى) فِي بَعْضِ النُّسَخِ بِالْوَاوِ: أَيْ يَسْمَحَ وَلَا يَفْضَحَ. وَالصَّفْحُ فِي الْأَصْلِ: الْمَيْلُ بِصَفْحَةِ الْعُنُقِ ثُمَّ أُرِيدَ بِهِ مُطْلَقُ الْإِعْرَاضِ (قَوْلُهُ: لِيَصْفَحَ عَنْهُ إلَخْ) لِأَنَّ الْجَزَاءَ مِنْ جِنْسِ الْعَمَلِ (قَوْلُهُ: الْإِسْرَارِ) بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ مَصْدَرُ أَسَرَّ لِيُنَاسِبَ الْإِضْمَارَ وَإِنْ احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ بِفَتْحِهَا جَمْعُ سِرٍّ. اهـ. ح، وَعَلَى الْأَوَّلِ فَعَطْفُ الْإِضْمَارِ عَلَيْهِ عَطْفٌ مُرَادِفٌ، وَعَلَى الثَّانِي عَطْفٌ مُغَايِرٌ. قَالَ ط: وَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ بَدَلَ الْإِضْمَارِ الْإِظْهَارَ لِيَكُونَ فِي كَلَامِهِ صَنْعَةُ الطِّبَاقِ، وَهِيَ الْجَمْعُ بَيْنَ لَفْظَيْنِ مُتَقَابِلَيْ الْمَعْنَى (قَوْلُهُ: وَلَعَمَرِي) تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ، وَهَذِهِ الْفِقْرَةُ وَقَعَتْ فِي خُطْبَةِ النَّهْرِ (قَوْلُهُ: الْخَطَرِ) هُوَ الْإِشْرَافُ عَلَى الْهَلَاكِ، وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا الشَّيْءُ الشَّاقُّ، وَهُوَ الْخَطَأُ وَالسَّهْوُ الْمُعَبَّرُ عَنْهُ بِالتَّلَافِ (قَوْلُهُ: يَعِزُّ) عَلَى وَزْنِ يَقِلُّ أَوْ يَمَلُّ كَمَا فِي الْقَامُوسِ، وَالْمَادَّةُ تَأْتِي بِمَعْنَى الْعُسْرِ وَبِمَعْنَى الْقِلَّةِ وَبِمَعْنَى الضِّيقِ وَبِمَعْنَى الْعَظَمَةِ كَمَا أَفَادَهُ فِي الْقَامُوسِ، وَكُلٌّ صَحِيحٌ أَفَادَهُ ط (قَوْلُهُ: الْبَشَرِ) اسْمُ جِنْسٍ. وَالْبَشَرُ: ظَاهِرُ الْبَشَرَةِ، وَهُوَ مَا ظَهَرَ مِنْ الْجَسَدِ. وَالْجِنُّ: مَا اخْتَفَى مِنْ الِاجْتِنَانِ، وَهُوَ الِاسْتِتَارُ ط

(قَوْلُهُ: وَلَا غَرْوَ) بِفَتْحِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ الْمُهْمَلَةِ مَصْدَرُ غَرَا مِنْ بَابِ عَدَا، بِمَعْنَى عَجِبَ بِوَزْنِ فَرِحَ: أَيْ لَا عَجَبَ. اهـ. ح: أَيْ مِنْ عَزَّةِ السَّلَامَةِ مِمَّا ذُكِرَ (قَوْلُهُ: فَإِنَّ النِّسْيَانَ) الْفَاءُ تَعْلِيلِيَّةٌ: أَيْ لِأَنَّ النِّسْيَانَ الَّذِي هُوَ سَبَبُ التَّلَافِ الْمُتَقَدِّمِ ط. وَعَرَّفَهُ فِي التَّحْرِيرِ بِأَنَّهُ عَدَمُ الِاسْتِحْضَارِ فِي وَقْتِ الْحَاجَةِ، قَالَ: فَشَمَلَ السَّهْوَ لِأَنَّ اللُّغَةَ لَا تُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا. اهـ. (قَوْلُهُ: مِنْ خَصَائِصِ الْإِنْسَانِيَّةِ) أَيْ مِنْ الْأُمُورِ الْخَاصَّةِ، بِالْحَقِيقَةِ الْإِنْسَانِيَّةِ: أَيْ بِأَفْرَادِهَا وَالْيَاءُ لِلنِّسْبَةِ إلَى الْمُجَرَّدِ عَنْهَا. رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: سُمِّيَ إنْسَانًا لِأَنَّهُ عُهِدَ إلَيْهِ فَنَسِيَ، وَقَالَ الشَّاعِرُ:

لَا تَنْسَيَنَّ تِلْكَ الْعُهُودَ فَإِنَّمَا ... سُمِّيت إنْسَانًا لِأَنَّك نَاسِي

وَقَالَ آخَرُ:

نَسِيتَ وَعْدَك وَالنِّسْيَانُ مُغْتَفَرٌ ... فَاغْفِرْ فَأَوَّلُ نَاسٍ أَوَّلُ النَّاسِ

وَقِيلَ لِأُنْسِهِ بِأَمْثَالِهِ أَوْ بِرَبِّهِ تَعَالَى، قَالَ الشَّاعِرُ:

وَمَا سُمِّيَ الْإِنْسَانُ إلَّا لِأُنْسِهِ ... وَلَا الْقَلْبُ إلَّا أَنَّهُ يَتَقَلَّبُ

(قَوْلُهُ: وَالْخَطَأَ) هُوَ أَنْ يَقْصِدَ بِالْفِعْلِ غَيْرَ الْمَحَلِّ الَّذِي يَقْصِدُ بِهِ الْجِنَايَةَ كَالرَّمْيِ إلَى الصَّيْدِ فَأَصَابَ آدَمِيًّا تَحْرِيرٌ. وَفِي الْقَامُوسِ: الْخَطَأُ ضِدُّ الصَّوَابِ، ثُمَّ قَالَ: وَالْخَطَأُ مَا لَمْ يُتَعَمَّدْ (قَوْلُهُ: مِنْ شَعَائِرِ الْآدَمِيَّةِ) الشَّعَائِرُ: الْعَلَامَاتُ كَمَا فِي الْقَامُوسِ ح. قَالَ فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ: وَشَرْعًا مَا يُؤَدَّى مِنْ الْعِبَادَاتِ عَلَى سَبِيلِ الِاشْتِهَارِ كَالْأَذَانِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015