(قَالَ) لِزَوْجَتِهِ (هَذِهِ رَضِيعَتِي ثُمَّ رَجَعَ) عَنْ قَوْلِهِ (صُدِّقَ) لِأَنَّ الرَّضَاعَ مِمَّا يَخْفَى فَلَا يُمْنَعُ التَّنَاقُضُ فِيهِ (وَلَوْ ثَبَتَ عَلَيْهِ، بِأَنْ قَالَ) بَعْدَهُ (هُوَ حَقٌّ كَمَا قُلْت وَنَحْوَهُ) هَكَذَا فَسَّرَ الثَّبَاتَ فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا
ـــــــــــــــــــــــــــــQوَفِي التَّجْنِيسِ عَنْ الْجُرْجَانِيِّ: وَلِعَمِّ الزَّانِي التَّزَوُّجُ بِهَا كَالْمَوْلُودَةِ مِنْ الزَّانِي لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهَا مِنْ الزَّانِي، وَالتَّحْرِيمُ عَلَى آبَاءِ الزَّانِي وَأَوْلَادِهِ لِلْجُزْئِيَّةِ وَلَا جُزْئِيَّةَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْعَمِّ، وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فِي الْمُتَوَلِّدَةِ مِنْ الزِّنَا فَكَذَا فِي الْمُرْضِعَةِ بِلَبَنِ الزِّنَا: قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: وَكَذَا لَوْ لَمْ تَحْبَلْ مِنْ الزِّنَا وَأَرْضَعَتْ لَا بِلَبَنِ الزِّنَا تَحْرُمُ عَلَى الزَّانِي كَمَا تَحْرُمُ بِنْتُهَا عَلَيْهِ. وَذَكَرَ الْوَبَرِيُّ أَنَّ الْحُرْمَةَ تَثْبُتُ مِنْ جِهَةِ الْأُمِّ خَاصَّةً مَا لَمْ يَثْبُتْ النَّسَبُ، فَحِينَئِذٍ تَثْبُتُ مِنْ الْأَبِ، وَكَذَا ذَكَرَ الْإِسْبِيجَابِيُّ وَصَاحِبُ الْيَنَابِيعِ، وَهُوَ أَوْجَهُ لِأَنَّ الْحُرْمَةَ مِنْ الزِّنَا لِلْبَعْضِيَّةِ وَذَلِكَ فِي الْمَوْلُودِ نَفْسِهِ لِأَنَّهُ مَخْلُوقٌ مِنْ مَائِهِ دُونَ اللَّبَنِ، إذْ لَيْسَ اللَّبَنُ كَائِنًا مِنْ مَنِيِّهِ لِأَنَّهُ فَرْعُ التَّغَذِّي. وَهُوَ لَا يَقَعُ إلَّا بِمَا يَدْخُلُ مِنْ أَعْلَى الْمَعِدَةِ لَا مِنْ أَسْفَلِ الْبَدَنِ كَالْحُقْنَةِ فَلَا إنْبَاتَ فَلَا حُرْمَةَ، بِخِلَافِ ثَابِتِ النَّسَبِ لِأَنَّ النَّصَّ أَثْبَتَ الْحُرْمَةَ مِنْهُ؛ وَإِذَا تَرَجَّحَ عَدَمُ حُرْمَةِ الرَّضِيعَةِ بِلَبَنِ الزَّانِي عَلَى الزَّانِي فَعَدَمُهَا عَلَى مَنْ لَيْسَ اللَّبَنُ مِنْهُ أَوْلَى، خِلَافًا لِمَا فِي الْخُلَاصَةِ وَلِأَنَّهُ يُخَالِفُ الْمَسْطُورَ فِي الْكُتُبِ الْمَشْهُورَةِ إذْ يَقْتَضِي تَحْرِيمَ بِنْتِ الْمُرْضِعَةِ بِلَبَنِ غَيْرِ الزَّوْجِ عَلَى الزَّوْجِ بِطَرِيقٍ أَوْلَى. اهـ. كَلَامُ الْفَتْحِ مُلَخَّصًا. وَحَاصِلُهُ أَنَّ فِي حُرْمَةِ الرَّضِيعَةِ بِلَبَنِ الزِّنَا عَلَى الزَّانِي وَكَذَا عَلَى أُصُولِهِ وَفُرُوعِهِ رِوَايَتَيْنِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْقُهُسْتَانِيُّ أَيْضًا، وَأَنَّ الْأَوْجَهَ رِوَايَةُ عَدَمِ الْحُرْمَةِ، وَأَنَّ مَا فِي الْخُلَاصَةِ مِنْ أَنَّهَا لَوْ رَضَعَتْ لَا بِلَبَنِ الزَّانِي تَحْرُمُ عَلَى الزَّانِي. مَرْدُودٌ لِأَنَّ الْمَسْطُورَ فِي الْكُتُبِ الْمَشْهُورَةِ أَنَّ الرَّضِيعَةَ بِلَبَنِ غَيْرِ الزَّوْجِ لَا تَحْرُمُ عَلَى الزَّوْجِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ طَلَّقَ ذَاتَ لَبَنٍ إلَخْ. وَكَلَامُ الْخُلَاصَةِ يَقْتَضِي تَحْرِيمَهَا بِالْأَوْلَى، وَمَا فِي الْفَتَاوَى إذَا خَالَفَ مَا فِي الْمَشَاهِيرِ مِنْ الشُّرُوحِ لَا يُقْبَلُ هَذَا تَقْرِيرُ كَلَامِ الْفَتْحِ، وَقَدْ وَقَعَ فِي فَهْمِهِ خَبْطٌ كَثِيرٌ مِنْهُ مَا ادَّعَاهُ فِي الْبَحْرِ مِنْ أَنَّ مَحَلَّ الْخِلَافِ أُصُولُ الزَّانِي وَفُرُوعُهُ وَأَنَّهَا لَا تَحِلُّ لِلزَّانِي اتِّفَاقًا. اهـ. وَالْحَاصِلُ كَمَا قَالَ فِي الْبَحْرِ أَنَّ الْمُعْتَمَدَ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّ لَبَنَ الزَّانِي لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ التَّحْرِيمُ وَظَاهِرُ الْمِعْرَاجِ وَالْخَانِيَّةِ أَنَّ الْمُعْتَمَدَ ثُبُوتُهُ. اهـ.
قُلْت: وَذَكَرَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ أَنَّهُ لَا يَعْدِلُ عَنْ الدِّرَايَةِ إذَا وَافَقَتْهَا رِوَايَةٌ، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الْوَجْهَ مَعَ رِوَايَةِ عَدَمِ التَّحْرِيمِ.
(قَوْلُهُ قَالَ لِزَوْجَتِهِ) التَّقْيِيدُ بِالزَّوْجَةِ لِقَوْلِهِ بَعْدَهُ فُرِّقَ بَيْنَهُمَا، وَإِلَّا فَقَوْلُهُ ذَلِكَ لِأَجْنَبِيَّةٍ قَبْلَ الْعَقْدِ عَلَيْهَا كَذَلِكَ (قَوْلُهُ هَكَذَا فَسَّرَ الثَّبَاتَ فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا) أَتَى بِذَلِكَ لِلرَّدِّ عَلَى مَنْ جَعَلَ تَكْرَارَ الْإِقْرَارِ ثَبَاتًا أَيْضًا مِثْلَ قَوْلِهِ هُوَ حَقٌّ وَنَحْوُهُ، وَجَزَمَ فِي الْبَحْرِ بِأَنَّهُ لَيْسَ مِثْلَهُ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ صَارَتْ وَاقِعَةَ الْفَتْوَى فِي زَمَنِ الْعَلَّامَةِ عَبْدِ الْبَرِّ بْنِ الشِّحْنَةِ، خَالَفَهُ فِي بَعْضِ مُعَاصِرِيهِ وَعَقَدَ لَهَا مَجَالِسَ عَدِيدَةً بِأَمْرِ السُّلْطَانِ قَايِتْبَايْ وَكَتَبَ خُطُوطَ الْعُلَمَاءِ مِنْ الْمَذَاهِبِ الْأَرْبَعَةِ كَمَا ذَكَرَهُ الْمَقْدِسِيَّ فِي شَرْحِهِ، وَسَرَدَ فِيهِ نُصُوصَ أَئِمَّتِنَا.
ثُمَّ قَالَ: ظَاهِرُ هَذِهِ الْعِبَارَاتِ أَنَّ الثَّبَاتَ عَلَى الْإِقْرَارِ الْمَانِعِ عَنْ الرُّجُوعِ هُوَ أَنْ يَقُولَ مَا قُلْته حَقٌّ أَوْ مَا أَقْرَرْت بِهِ ثَابِتٌ وَأَمَّا تَكْرَارُ الْإِقْرَارِ فَلَا يَكُونُ مَانِعًا اهـ وَقَدْ لَوَّحَ الْمُصَنِّفُ فِي مَسَائِلَ شَتَّى مِنْ الْمِنَحِ آخِرَ الْكِتَابِ إلَى تِلْكَ الْوَاقِعَةِ، وَأَنَّهَا عُرِضَتْ عَلَى شَيْخِ الْإِسْلَامِ زَكَرِيَّا الشَّافِعِيِّ فَأَجَابَ بِمَا فِيهِ كِفَايَةٌ. اهـ. قُلْت: وَرَأَيْتهَا فِي فَتَاوَى شَيْخِ الْإِسْلَامِ زَكَرِيَّا فَقَالَ بَعْدَ عَرْضِ النُّقُولِ مِنْ كَلَامِ أَئِمَّتِنَا مَا صُورَتُهُ: صَرِيحُ هَذِهِ النُّقُولِ وَمَنْطُوقُهَا مَعَ الْعِلْمِ بِوُقُوعِ الْعَطْفِ التَّفْسِيرِيِّ فِي الْكَلَامِ الْفَصِيحِ وَمَعَ النَّظَرِ إلَى مَا هُوَ وَاجِبٌ مِنْ الْجَمْعِ